|
قراءات في الصحافة الإسرائيلية التي مني بها جيش الاحتلال بعد ذلك وخاصة خلال حربي لبنان عام 2006 وغزة في نهاية 2008 في وقت يكثر قادة جيش الاحتلال من التصريحات الحربية مشيرين إلى تعاظم قدرة حزب الله العسكرية وخطورة ذلك على الجبهة الداخلية: فبالرغم من اعتقاد البعض أن الانسحاب من الجنوب اللبناني كان صحيحاً إلا انه جلب الكوارث على إسرائيل على حد تعبير موشيه أرنس وزير الحرب السابق. خيبة أمل عاموس هرئيل المحلل العسكري في صحيفة هآرتس قّيم ذلك الانسحاب من زاوية مختلفة قائلاً: اثنان، من قادة الجيش الإسرائيلي السابقان على الأقل، هما الجنرالان شموئيل زكاي وموشيه تامير عبرا عن خيبة الأمل من نتائج الانسحاب من لبنان. إذ وصف تامير، في كتابه (حرب من دون أوسمة)، الجيش الإسرائيلي في لبنان بالجيش البطيء الاستيعاب خاض حرب استنزاف لم يستطع أن يكسبها. فالبقاء في لبنان، في نظره، كان فشلاً منهجياً قاد الجيش إلى الانسحاب المتسرع من طرف واحد من دون اتفاق أمني أو سياسي. أما الجنرال غيورا عنبار، الذي خدم في جنوب لبنان فترة طويلة، فقد صرح مراراً أن الحزام الأمني الذي أقيم في الجنوب كان نجاحاً تكتيكياً، لكنه نجاح لم يؤد إلى نتائج إيجابية بل إنه أحياناً قاد إلى انهيار منهجي. وكتب الجنرال المتقاعد عوديد طيرا وبهذه المناسبة مقالاً في صحيفة إسرائيل اليوم يُقيّم هو الآخر النتائج التي ترتبت عن ذلك الانسحاب بأن قوة حزب الله تعاظــمت منذ الحرب الأخيــرة وازدادت بشكل كبير قوته النارية ومدى هذه النــيران، بحيث بات تقــريباً قادراً على بلوغ كل نقطة في إسرائيل. وأشار إلى أن انتشار صواريخ حزب الله أصبح أعمق مما كان سابقاً، وهو تقريباً يملك كل ما تملك سورية من سلاح. ويخلص من ذلك إلى أن الخطر الذي يمثله الحزب على إسرائيل بات مكثفاً على قلب إسرائيل وبنيــتها الإستراتيجية، وكذلك الخطر على الجبهة الخلفية العســكرية بما يتضــمنه من قدرة تشـويش على حشد القـوات الاحتياطــية وتهــديد للقواعد الجويــة والمقرات اللوجستية. وشدد طيرا على أن الخطر الإضافي هو أنه لم يعد بالإمكان إزاحة هذا الخطر بسرعة وبالنيران فقط، ما يجبر إسرائيل على التقدم نحو احتلال مناطق واسعة في لبنان وتطهيرها من الصواريخ. وهذا يعني حرباً طويلة. التغيير الأساسي في الميزان الاستراتيجي في مقال آخر كتبت هآرتس عن النتائج البعيدة المدى من وجهة نظرها لذلك الانسحاب بقولها: كانت للصورة التي نشأت لإسرائيل بعد الانسحاب (خيوط العنكبوت كما قال حسن نصرالله) آثار تكاد تكون مباشرة، عندما بدأ (مخربون فلسطينيون) الانتفاضة الثانية في قصد إلى استنساخ نجاح حزب الله في الشمال. تهشمت قدرة الردع الإسرائيلية وكلفت الحاجة إلى إعادة بنائها ثمناً باهظاً. وبدأ حزب الله، الذي استولى على جنوب لبنان حتى الانسحاب، يستولي بعده على لبنان كله. تهدد صواريخه اليوم مواطني إسرائيل جميعاً. أصبح هذا التغيير الأساسي في الميزان الاستراتيجي في المنطقة ممكناً بسبب الانطباع الخاطئ الذي نشأ وكأن الانسحاب أفضى إلى هدوء في شمالي إسرائيل. في حين كانت النتيجة الحقة قتلاً ودماراً أكبر في حرب لبنان الثانية. وعلى وقع هذه المناسبة أعلن متان فيلنائي نائب وزير الحرب الإسرائيلي أن جيش الاحتلال سوف يبدأ الأحد القادم أوسع وأضخم مناورة عسكرية أطلق عليها نقطه تحول 4 تشمل تعرض العمق الإسرائيلي وخاصة المنطقة المعروفة بمنطقة اغوش دانب تل ابيب وضواحيها لسقوط مئات الصواريخ يومياً من سورية ولبنان وقطاع غزة كما تنضم إلى المناورة للمرة الأولى شركة الكهرباء وهيئات البنى التحتية. ويذكر أن المؤسسة السياسية في إسرائيل قد استبقت هذه المناورة برسائل طمأنة لدول المنطقة، بأنَّ هذه المناورة تَندرجُ في إطار سلسلة مناورات مشابهة بدأتها إسرائيل عام ألفين وسبعة لاختبار مدى جهوزية الجبهة الداخلية بمواجهة حرب محتملة على خلفية العبر المستخلصة من حرب لبنان الثانية. وقالت مصادر جيش الاحتلال إن المناورة الجديدة ستشمل خمسة وسبعين بالمئة من الإسرائيليين، وتهدف للتدرّب على إخلاء سكان مدينة بتاح تكفا في منطقة غوش دان البالغ عددهم عشرين ألف مستوطن إلى مدينة الطيبة الفلسطينية إثر تعرّضها لهجوم صاروخي محتمل.وتشمل السيناريوهات التي تحاكيها المناورة سقوط مئات الصواريخ من سورية وحزب الله وحماس بشكل يومي في العمق الإسرائيلي، ما يؤدي إلى سقوط مئات القتلى من الإسرائيليين. وقال متان فلنائي نائب وزير الحرب الإسرائيلي: السيناريو المفترض يتركز على هجوم بمئات الصواريخ في اليوم على أنحاء إسرائيل كافة. وأفترض أنَّ المناورة ستؤدي إلى تأهب أطراف في المنطقة لكننا حذرون جداً، وقد وجَّهنا الرسائل المطلوبة إلى الأماكن المناسبة. وسيتم خلال المناورة اختبار التواصل بين مختلف الأجهزة، من سلطة الطوارئ إلى قيادة الجبهة الداخلية وأجهزة الإنقاذ ووزارات الحكومة والمجالس المحلية، وتُضاف إليها للمرة الأولى شركة الكهرباء وهيئات البنى التحتية، مثل المياه والمواصلات والمطارات والموانئ.كما تشمل المناورة التدُّرب على توزيع سريع للأقنعة الواقية.ويقول اللواء مئير غولان قائد الجبهة الداخلية في كيان العدو: نتوقع من كل مواطن أن يتدرب على استخدام أدوات الحماية التي لديه بشكل ملائم إذا سمع صافرة الإنذار. رسائل طمأنة وبالرغم مما يسمونه رسائل طمأنة التي يحاول إرسالها بعض المسؤولين في الكيان الإسرائيلي إلا أن تهيئة الشارع الإسرائيلي لأجواء الحرب قائمة على قدم وساق، وفي هذا الإطار وفي معرض التلويح بالقوة صرح نائب رئيس الأركان في جيش الاحتلال الجنرال بيني غينتس أمام مؤتمر عقده مركز البحوث الأمنية: إن قواته قادرة على حسم أي حرب إذا نشبت لكن أحداً لا يريد الحرب لأن الخسارة فيها أكثر من الربح في وقت حذر فيه دان حالوتس رئيس الأركان السابق من مغبة الاستمرار في بث الرعب في إسرائيل مطالباً بالبدء في تسوية مع سورية. وفي الإطار نفسه نشرت صحيفة معاريف نتائج استطلاع للرأي أجري لفحص موقف الجمهور الإسرائيلي من شن الحرب على لبنان. وأظهر الاستطلاع الذي كشف النقاب عن نتائجه أمس فقط أن الجمهور الإسرائيلي يمنح الحكومة ضوءاً أخضر للرد بعملية عسكرية واسعة النطاق وفورية في لبنان على أي هجوم مباغت من جانب حزب الله. ولعلها من المرات النادرة التي يجري فيها استطلاع رأي الجمهور الإسرائيلي في ما ينبغي فعله على الصعيد الحربي. وليس من المستبعد أن تعبر النتائج عن رغبة لدى جهات عسكرية أو سياسية إسرائيلية في ترسيخ مفهوم التأييد الشعبي لأي هجوم واسع على لبنان. ويظهر الاستطلاع أن 33 في المئة من الجمهور يؤيد عملية برية وجوية مشتركة. بينما يؤيد 11 في المئة شن إسرائيل هجوماً برياً واسعاً. ويؤيد 39 في المئة التركيز على الهجوم الجوي. وأشار الاستطلاع إلى تأييد أغلب المستطلعين لتشكيل حكومة وحدة وطنية في زمن الحرب. شكل جديد للمواجهة وفي سياق تهيئة الأجواء للحرب تساهم الصحافة الإسرائيلية بقدر لابأس به في هذا الإطار، فتحت عنوان: «هل ستندلع الحرب في لبنان هذا الصيف» كتب المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت الكيس فيشمان: هل ستندلع أم لن تندلع حرب في لبنان في الصيف، على هذا السؤال لا يوجد لدى أحد جواب. ما هو واضح دون ريب هو أن الحرب التي ستنشب في الشمال لن تكون مشابهة لتلك التي وقعت في 2006. فحزب الله يتعاظم من يوم إلى يوم، سواء بكمية المقاتلين، بعدد الصواريخ أم بقدراتهم. وما هو أكثر أهمية، هو أن الطريقة التي تستخدم فيها هذه القوة ستكون مغايرة جوهرياً. كل بضعة أسابيع تنزل علينا معلومة أخرى عن هذه الجبهة. لتؤشر إلى الشكل الجديد للمواجهة المتبلورة هناك، بأنه على جانبي الحدود، يستعدون للجولة القادمة بكل القوة ولكن بالنسبة للمواطن العادي لا يعني هذا الكثير بأنه صاروخ آخر مهرب إلى حزب الله، فلديهم منذ الآن 40 ألفاً، وماذا يغير هذا في الصورة. كل الصواريخ هي ذات الشيء، كما يقول لنفسه مواطن إسرائيلي. ويضيف فيشمان ويقول: إن المؤسسة الأمنية لا تكلف نفسها عناء الشرح للجمهور لأي مواجهة ينبغي له أن يستعد. وقد فوجئ مواطنو إسرائيل من شدة الدمار الذي يمكن أن يحدثه الطرف الآخر وسألوا عن حق كيف عرفنا، كيف لم نستعد ومن المسؤول عن القصور؟ ولكن هذا بالضبط ما يحصل الآن أيضاً. في جهاز الأمن وفي أوساط خبراء في الأكاديمية، صورة ميدان القتال الجديد في لبنان واضحة جداً، أما للمواطن، الذي سيكون شريكاً كاملاً في القتال في المعركة القادمة فليس لديه أي فكرة. لا أحد يروي له شيئاً. تضخيم القدرات.. محاولة مكشوفة فيشمان يحاول أن يرسم عدة سيناريوهات لحرب مع حزب على قاعدة محاولة مكشوفة لتضخيم قدرات الحزب للدفع في عملية التخويف وبث الرعب التي تساهم بها الصحافة الإسرائيلية نفسها: من المهم الفهم أن صواريخ ام 600 بحوزة حزب الله ليست مجرد إضافة عادية لترسانته. فهذا هو الـ DNA. هو الرمز الذي يكشف النمط الجديد لاستعداد المنظمة للمواجهة القادمة. لنبدأ من حقيقة أن أم 600 ليس مقذوفة صاروخية بل سلاح أكثر دقة ونجاعة بكثير، وهو ذو قدرة إستراتيجية بمعايير الشرق الأوسط. إذا ما رغب حزب الله في الحرب القادمة بضرب مبنى هيئة الأركان في وزارة الدفاع في تل أبيب، فإن بوسعه نظرياً أن يفعل ذلك.هل يعني هذا أن الصورة التي رأيناها في حرب لبنان الثانية، بمئات المقذوفات الصاروخية للمدى القصير والمتوسط والتي تطلق كل يوم نحو شمال الدولة، حتى خط يعقوب طبريا، لن تتكرر؟ تماما لا. فالكتلة الأساس من أصل 40 ألف مقذوفة صاروخية يحوزها حزب الله لا تزال هي المقذوفات الصاروخية من هذه الأنواع، وبواسطتها سيحاول في المرة التالية أيضاً زرع الدمار في البلدات والمس بقوات الجيش الإسرائيلي قبل ومع دخولها إلى لبنان. ويتابع فيشمان ويقول: من تجربة الحرب السابقة، فإن هذه المقذوفات الصاروخية هي سلاح عمومي: النار غير دقيقة، معظمها تسقط خارج المناطق المأهولة، كمية المصابين والدمار ليست كبيرة. غير أنه في الحرب التالية، كما أسلفنا، إلى جانب الصليات المعروفة ستكون لحزب الله إمكانية أن يطلق في آن واحد عشرات الصواريخ الدقيقة أيضاً، من عشرات النقاط من شمالي وجنوبي الليطاني، نحو هدف واحد محدد ومنسق. وليس فقط إصابة هذه الصواريخ ستكون أكثر دقة وشدة، بل سيكون معقداً أكثر بكثير اعتراض وتدمير عشرات الصواريخ المنفردة التي ستنطلق دفعة واحدة في أماكن مختلفة من الرد بالنار على منطقة كاملة يطلق منها وابل الصواريخ. الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله تستهدف تدمير منشآت إستراتيجية في غوش دان. صواريخ كهذه تنتشر منذ الآن في جنوب لبنان، حيث إن نية حزب الله على ما يبدو هي تنفيذ صليات من عشرات الصواريخ كل يوم على مدى أيام عديدة. وبالتوازي فإنهم يخططون لإطلاق آلاف المقذوفات الصاروخية إلى مسافات مشابهة، موجودة منذ الآن في حوزتهم، ومن خلال النار المتداخلة هذه يأملون بتدمير البنى التحتية وتحطيم المنشآت. |
|