تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اســـتخدام المفــردات الأجنبيـــة بكثــرة.. هـــل يجســد إنـــذاراً تربويــاً...؟

مجتمع
الأحد 23-5-2010م
آنا عزيز الخضر

سلوكيات اجتماعية تنتشر تحت مسميات التمدن والتحضر وما هي في الأساس إلا في سياق التأثر بالثقافة الاستهلاكية الدارجة التي تفرض مظاهر كثيرة في اتجاهات حياتنا

وقد تترك أثرها السلبي على المدى البعيد لترسيخها خصوصاً أنها تنتشر وتشيع هنا وهناك من دون إعادة نظر أو التوقف عندها رغم أنها ليست بالبساطة التي تظهر فيها، ففي أحيان كثيرة في أحاديثنا وحواراتنا تتطعم لغتنا بمفردات أجنبية في سياق التمظهر بالشكل الحضاري ولكثرة ما هي دارجة باتت مألوفة وحالة اعتيادية يتم التفاهم عبرها حتى أن وسائل الإعلام نراها تستخدم تلك المفردات وحتى البرامج الجادة منها المتميزة وببساطة ملحوظة نسمع أثناء الحوار/ سي-يو/../ اعملي لي- كول// ابعتي لي.. ماسج// هاي- كلاس/ لتصبح هذه العبارات مدرجة ضمن لهجتنا اليومية، تنتشر ونتفاهم بها هذا غير أسماء المأكولات في المطاعم كلها تقريباً باللغة الأجنبية/ هوت- دوك/ كوردن بللو/ / اسكالوب// تشيز برغر// لازانيا/ وغيرها من المسميات وبين قوسين يتم التعريف بها باللغة العربية دون أن ننسى أسماء/ المحلات التجارية/ الكثيرة وبأسماء أجنبية ، كلمات نستعيرها ونطعم بها تفاصيل حياتنا ترى ما الدافع للتمسك بهذه المفردات؟ وما الذي يجعلها عنوان التجديد حتى نؤخد بها إلى هذا الحد؟ هل يمكن اعتبارها حالة عادية أم أنها سلوكيات تقف خلفها ثقافة استهلاكية تسيطر علينا وهل من حالات تمثل البديل الإيجابي في الآراء التالية تفسير لآلية التعامل معها وبعض المقترحات لتجاوزها مثلاً الطالب / أحمد ابراهيم/ ثاني ثانوي/ قال: استخدم المفردات والكلمات الأجنبية أثناء حديثي وأراها ظريفة وسهلة وبنظرة عامة أجد الكثيرين من زملائي يتحدثون بهذه الطريقة وبشكل عادي، فهي نوع من التقليد دون النظر إلى أبعادها ولا أرى لها أي تبعيات سلبية وأحيان كثيرة نستخدم أمثال هذه الكلمات مجبرين عليها كأن نستخدم / كمبيوتر//باص/ نتداولها بشكل مألوف فلماذا الوقوف عند كلمات أخرى تخرج في السياق وتكون في إطار بعيد عن التعقيد كما أرى أناساً جادين وملتزمين جداً يستخدمون هذه الكلمات فلماذا التهويل لهذه الحالة...؟!‏

في تعاملنا اليومي‏

كثرت المفردات إلى حد باتت مألوفة ومقبولة بكل بساطة إذ لا يجوز استهجانها وهذا وجه آخر للخطورة من جهة أخرى سألنا المدرسة/ سها محمد/ مدرسة فلسفة فقالت: بالفعل كثرت الكلمات الأجنبية في تعاملنا اليومي وباتت معممة بدون موقف منها وكله على أساس أننا حضاريين ونتماشى مع الواقع وكل منا يقلد الآخر، مثلاً ببساطة تستخدم / ميرسي/ وقد صارت كلمة عادية، ماذا بها كلمة / شكراً/ ومن جهتي كمدرسة حريصة على هذا الأمر أثناء تعاملي مع طلابي كما أني أراها مسؤولية كل المدرسين في التنبيه لهذه الحالة أثناء إعطاء الدروس وخطورتها يأتي من كون الطلاب في مرحلة عمرية لا يقدرون تمسكهم بها. فيجب التوضيح لهم دوماً بأننا نتعلم اللغات الأجنبية من أجل أهداف علمية ومهنية وثقافية ومن أجل التعرف على تجارب إنسانية مختلفة ولاندرسها بكونها أفضل من لغتنا، وما يحصل على أرض الواقع بأن طريقة حياتنا صارت تشبه الحياة الغربية بكل شيء ، نأكل بسرعة نلبس مثلهم، تعاملنا الاجتماعي يقترب أكثر فأكثر من أسلوب حياتهم وهكذا ومن الضروري أن ننتبه لهذا الأمر ونحاصره بالأسلوب العلمي والتربوي الصحيح خصوصاً أن للغة العربية جماليتها وأبعادها الوطنية والقومية ودورها الهام في الحفاظ على ثقافتنا الخاصة وموروثنا ومن الضروري الاهتمام بها بشكل كبير وصحيح وباعتقادي هنا أن دور المعلم ليس تلقين المعلومات فقط وإنما مسؤوليته النهوض بدوره التربوي، خصوصاً أن التمسك بالمفردات الأجنبية سلوكيات تتعلق بشكل أو بآخر بالجانب التربوي و تحدثت المدرسة / منى سعود/ قائلة للمدرس تأثيره في هذا الأمر كونه مسؤولاً عن إكساب الطالب القيم التربوية ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار الناحية التربوية كمعرفة وكسلوكيات حياتية مسؤولية التوجيه لها بالشكل السليم والإيجابي.‏

صعود ثقافة الاستهلاك‏

سألنا الدكتورة / أميمة معراوي/ جامعة دمشق- كلية الإعلام/ حول رأيها في هذا الجانب كحالة من جهة ثم المقترحات التي يتم بها تجاوزها والتغلب على تبعاتها تربوياً وسلوكياً فقالت: نلاحظ في الفترة الأخيرة صعود وثقافة الاستهلاك في عالمنا العربي حيث تتسرب على الأكثر من خلال وسائل الإعلام والخطر الأكبر في هذا الجانب أن هناك نمطاً من الثقافة قائماً أصلاً على الشعور بالفراغ وعلى الأكثر بالنسبة للمراحل العمرية الأولى ما يشجعهم على الاغتراب عن الواقع من أجل التماثل مع ثقافة الاستهلاك التي تركز على أنماط اللباس والمأكل وحتى اللغة دون أن يؤخذ بعين الاعتبار التجربة الإنسانية العميقة بل الاعتماد على الشكل فقط وهذا كله يؤدي إلى الانفكاك من الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه ليكونوا في مجاراة مع تلك الثقافة الاستهلاكية خصوصاً أن القضاء مفتوح على الجميع وكلهم يشاهدون نفس البرامج التلفزيونية ويمارسون نفس ألعاب الحاسوب ويضطهدون على نفس الأزياء والملابس وتكون اللغة في نفس السياق وهذا أفرز قاموساً جديداً من اللغة لا ينتمي إلى اللغة العربية ولا الأجنبية إذ تغلب هنا الرغبة بمظهر عصري يتقلد النماذج الغربية باللغة وغيرها وتتطعم كلماته العربية الضعيفة أصلاً بمفردات أجنبية مشوهة فكله يشارك في خلق هذه الحالة من وسائل الإعلام إلى دراما مسلسلات، برامج، إعلانات هذا عدا عن خطورة/ الشات/ التي خلقت أيضاً لغة محكية بين العامية والإنكليزية إذ كرست أيضاً مفردات طمست كل الهويات، وهذا التكرار اليومي يصبح جزءاً من الشخصية يتم تقمصه دون أي حساب ولابد من التأكد هنا بأن هذا يؤدي في أحيان كثيرة إلى أمراض نفسية لصعوبة اللحاق بالاستهلاك وثقافته وبالمتطلبات المستمرة والمتسارعة له ما يتطلب هنا ألا نستسلم لهذا الأمر ويأتي الرهان على الأسرة وبالتأكيد والإصرار على غرس الثقة بالنفس ومفهوم الذات ثم تغطية نقاط الضعف بأسلوب تربوي سليم يتم من خلاله التجاوز لكل تلك السلوكيات المسبوغة بالتعطش للنموذج الأجنبي ثم التشجيع على قيم تجمل النموذج العربي والبحث عن جمالياته في اتجاهات عدة، دون أن ننسى دور المؤسسات المجتمعية من الأسرة إلى المدرسة والإعلام والدراما وأعود وأكرر على نظرية/ القدوة/ والنموذج في الدراما لاستثمارها عند تأكيد قضية في المجال التربوي ليتم تقليدها وترسيخها وفق نظرية / النمذجة/ ثم التأكيد على سمات الشاب العربي الذي يحتذى، إضافة إلى أهمية / الحملات الإعلامية / لفرس/ مقاومة الاستهلاك وثقافتها عبر التأكيد على اللغة العربية وعلى الهوية والنموذج المميز للجيل العربي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية