|
فضاءات ثقافية
ولعب جميع هؤلاء دورا رياديا في تطور الثقافة الانسانية. ومن خلال كتاباتهم ومواقفهم، كانوا من المدافعين المتحمسين عن التقدم، وعن الحرية، وعن العدالة، وعن المساواة بين البشر. وعن الاخوة بين الشعوب والأمم. مع ذلك لم تخل حياتهم من بعض الفضائح والمساوئ وحب الذات، وارتكاب الحماقات. كان الفيلسوف والكاتب الفرنسي الشهير جان جاك روسو أول من نالته السهام. فقد اتهمه بول جونسون بالأنانية المفرطة، وبالاحساس بالتفوق على الآخرين. واعتمد في اتهامه هذا، على جملة لروسو كتب فيها يقول: « كيف يمكن أن يكون بؤسي وبؤسك سواء بسواء. إن بؤسي لا مثيل له، ولم يسمع أحد بمثله منذ بدء الخليقة». ويعتقد بول جونسون أن روسو كان «يحمل ضغائن كثيرة، وكان مخادعا باستمراره في حملها». وهو ما لاحظه كثيرون حسب رأيه. ويقدم لنا بول جونسون, جان جاك روسو وكأنه شخص لا يمكن أن يصادق، ولا يمكن أن يتمتع بثقة أحد. فهو مريض بجنون العظمة. وهو يحب أن تكون حياته كلها «دعة وتطفل». كما أنه «كان كثير الشجار، وبعنف شديد – مع كل الذين تعاملوا معه تقريبا، خاصة الأصدقاء منهم». ولم يكن من الممكن استعراض الخصومات المتكررة والمؤلمة التي كان يفتعلها لأنه كان « مريضا عقليا.» كما يسخر بول جونسون من كارل ماركس, ويقول: إنه كان «جاهلا بعالم المال والصناعة طوال حياته» وأن جميع معارفه في هذا المجال, والتي قدمها للناس كما لو أنها من ابتكاره الخاص، استقاها في الحقيقة من خاله الذي كان رجل أعمال ناجحا يعيش في هولندا، ومن صديقه انجلز الذي كان عليما حقا بأمور المال والصناعة. ويكتب بول جونسون قائلا:» ان كتاب كارل ماركس «رأس المال»، ذلك النصب التذكاري الذي تمحورت حوله حياته كباحث، لا يجب النظر إليه كبحث علمي عن طبيعة العملية الاقتصادية التي حاول أن يصفها، وإنما كتدريب في الفلسفة الأخلاقية «..» انه موعظة ضخمة وغير متماسكة في معظمها، وهجوم على العملية الصناعية ومبدأ الملكية من قبل رجل يكنّ لهما كراهية شديدة متوهمة ولا مبرر لها». ويواصل بول جونسون كلامه عن كتاب «رأس المال» قائلا: «والذي نخرج به من قراءة «رأس المال» هو فشل ماركس الذريع في فهم الرأسمالية. فشل تحديدا لانه لم يكن علميا: لم يستطع أن يتقصّى الحقائق بنفسه، أو أن يستخدم الحقائق التي تقصاها الآخرون بموضوعية. ومن البداية إلى النهاية كان عمله كله، وليس «رأس المال» فقط، يعكس اهمالا للحقيقة ولا مبالاة تصل أحيانا إلى درجة الاحتقار. وهذا هو السبب الرئيسي في عجز الماركسية كنظام عن تحقيق النتائج التي تدعيها. ووصفها ب « العلمية» يعتبر أمرا منافيا للعقل». ولم يكتف بول جونسون بانتقاد أفكار كارل ماركس الواردة في مجمل كتبه النظرية، والتي أصبحت مرجعا أساسيا للحركة الشيوعية العالمية، بل قدّمه كشخص « متعجرف وراشح بالازدراء». وكان صوته الحاد الرنان «متناسقا تمام التناسق مع الأحكام العنيفة التي كان يصدرها ويوزّعها على البشر والأشياء بلا توقف». ولم يسلم الكاتب العظيم تولستوي من التهجمات القاسية. فقد أشار بول جونسون إلى أن صاحب «انا كارنينا» كان مدمنا على لعب القمار, كما هو الحال بالنسبة لدستوفسكي. ومرات عديدة سافر إلى أوروبا من أجل هذا الغرض. وفي ضيعات والده كان يطارد بنات الأقنان، لذلك سوف يكتب فيما بعد قائلا: «أتذكر الليالي التي قضيتها هناك. أتذكر جمال وشباب «دينا شاه». أتذكر جسدها القوي الممشوق». ويقول بول جونسون: إن ارنست همنغواي كان يحب الكذب، وكان يتعمّد ذلك غالب الأحيان. وفي قصة له بعنوان: «بيت الجندي» كتب يقول:»من الطبيعي أن يكون أفضل الكتاب كذابين. جزء كبير من حرفتهم هو أن يكذبوا.. أن يختلقوا الأكاذيب.. انهم كثيرا ما يكذبون دون وعي، ثم بعد ذلك يتذكرون كذبهم بندم شديد». ويقول جونسون إن همنغواي كان يكذب عادة على والديه، ويكذب في كلامه عنهما، وأحيانا لأسباب غير واضحة. ويقول جونسون: إن حياة همنغواي التي انتهت بانتحاره ببندقية صيد في الثاني من شهر تموز 1961، كانت «درسا يجب أن يعيه كل المثقفين.. وهو أن الفن وحده لا يكفي!». وينتقل بول جونسون إلى الشاعر والكاتب المسرحي الشهير برتولد برخت الذي يصفه ب»صاحب القلب الجليدي» وهو يقدمه لنا على الصورة التالية: «كان «أي برخت» يحب أن يثير بأعماله ضجة ويكشف عن فضائح. كان يريد أن تثير مسرحياته الهمس وصيحات الاستنكار من جانب الجمهور والتصفيق الحاد من الجانب الآخر. لم يكن يهتم بالنقد المسرحي القائم على التحليل. كان يكره ويحتقر المثقفين التقليديين, خاصة ذلك النوع الأكاديمي أوالرومانسي. اخترع «برخت» في الواقع مثقفا من نوع جديد كما فعل «روسو» و « بيرون» في زمانيهما. ويرى بول جونسون أن فلسفة برخت التي تعتمد على مقولته التالية: « لا تنس أن الفن خداع، وأن الحياة نفسها خدعة» تفضح «أنانية عنيدة». ويضيف قائلا: «كان برخت يتابع أهدافه الأنانية بقسوة منظمة ودم بارد إلى درجة نادرة». ويستعرض بول جونسون علاقات برخت مع النساء، محاولا أن يثبت أنه كان يستغل مواهبهن لصالحه بل «وجعلهن جميعا في خدمة أغراضه». وبالنسبة إليه كانت النساء «كلهن دجاجات في مزرعة الديك الوحيد بها». وعن سارتر، كتب بول جونسون يقول: «كان مفتونا بالعنف, يلعب فيه بقدميه خلف سحابة مربكة من البلاغة اللغوية. كان يقول مثلا: «عندما يواجه الشباب الشرطة, فواجبنا ليس فقط أن نظهر أن الشرطة هي العنيفة، بل علينا أن ننضم إلى الشباب في عنفهم المضاد» وأيضا: «إذا لم يشارك المثقف في «العمل المباشر» أي «العنف» نيابة عن السود فإنه يعتبر مسؤولا عن قتلهم تماما كما لو كان يضغط على زناد الشرطة الذي يقتلهم». ويتهجم بول جونسون على فلسفة سارتر الوجودية ويقول إنها «كانت جنونا يستمتع به الناس». الشيء الأساسي الذي يمكننا أن نلاحظه في كتابه هو أن بول جونسون اختار مثقفين علمانيين كبارا عرفوا بدفاعهم المستميت عن الحرية وعن القضايا العادلة. ومنهم من دفع الثمن غاليا في سبيل ذلك. ولعله أراد من خلال التركيز على عيوبهم واتهامهم ب « الكذب والشعوذة والجنون والانانية» الحط من قيمتهم واثارة مشاعر الاحتقار والكراهية تجاههم والتشكيك في شهرتهم. لكن هل نجح في مسعاه؟ ذلك هو السؤال الذي يتحتم على كل قارئ لهذا الكتاب الاجابة عنه! |
|