تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سيرة الحب (35) سالم شرابة الخرج والراديو!

صفحة ساخرة
الخميس 25/10/2007
خطيب بدلة

(ملاحظة: يمكن قراءة كل حلقة من هذه السيرة دون الاطلاع على الحلقات السابقة واللاحقة).

في زمن ليس بالبعيد كان كل شيء في بلادنا بسيطاً وثابتاً كشروق الشمس وغروبها الأزليين‏

وكانت الأسعار رخيصة, والراتب الذي يتقاضاه موظف من الدرجة الأولى اليوم الذي يعادل وسطياً خمسة عشر ألف ليرة سورية, كان في تلك الأيام يكفي لشراء منزل سياح نياح- على حد تعبير ابن بلدنا باهر الخوتا- بلكون أول, شرقي جنوبي غربي, يستقبل الشمس عند الشروق ويودعها بأمان الرحمن عند الغروب, منجر ومبلط ومدهن وأبوابه ألمنيوم أوكروديون ورفوفه مرمر وسيراميك... ويشتري بجزء من ذلك الراتب المفترض, بضعة دونمات من الأرض القريبة من البلدة وتسمى الحاكورة ويزرع فيها ما يكفي لاستهلاكه اليومي من بندورة وخس وفليفلة وعجور وكندور, ثم يقف مع نفسه وقفة عز وشرف, فإذا تبين له أنه إنسان نبيل وابن أصل, فإنه يشتري بجزء مما يزيد من ذلك الراتب سنارة ذهبية زردية لزوجته, ابنة عمه, أم أولاده, وإذا كان قليل أصل- حاشاكم- سرعان ما يحرق فراد زوجته إذ يحضر إليها الضرة المرة, وأما الجزء الأخير من ذلك الراتب الهائل فيدحشه في المخدة وينام عليه من أجل غدرات الزمان!.‏

غير أن مبلغاً بهذه الضخامة, وأعني ال 15 ألف ليرة سورية لم يكن يمتلكه إلا ذوو العزم من الصناعيين البكوات أصحاب المعامل, وأما الآغوات الإقطاعيون فكانت أملاكهم كلها ذات طابع عيني, فلو أرد إقطاعي ما أن يحصل على خمسة عشر ألف ليرة سورية وسارع إلى عرض بعض أملاكه للبيع لما وجد من يشتريها منه, لأن المثل يقول: الجمل بعتماني وما في عتماني.‏

ولعله من المفيد أن نذكر أن مثل هذا البطء في النمو وسرعة دوران رأس المال كان يقابله بطء وسكون في الواقع الاجتماعي, ودهشة تصل إلى حدود البلاهة حيال المخترعات العلمية المستوردة من الغرب, كجهاز الراديو الكهربائي الذي كان يغني ويذيع نشرات الأخبار وتمثيليات أبي رشدي وأبي فهمي ودرة وأم كامل, وكان الناس يدورون حوله ويختلسون النظر إلى داخله من الخلف, معتقدين أنهم سيرون جانباً من الحياة المصغرة للبشر الذين يغنون ويتكلمون ويمثلون في داخله فلا يرون إلا الأسلاك والأزرار والوصلات والفيوزات, ووقتها هتفوا ملء أفواههم:( سبحان الله علم الإنسان مالم يعلم) استمروا يهتفون بهذه العبارة إلى أن ارتفعت حرارة الحالة العصبية عند ابن بلدنا سالم شرابة الخرج فقال لهم: أنا سأسألكم سؤالاً ولعنة الله على كل من يلف ويدور ولايجيبني عن سؤالي بصراحة.‏

قالوا له: تفضل اسأل.‏

قال: نحن العرب وأهل اليابان والألمان والإنكليز والطليان والروس أهل بلاد (المسكوف) بشر هل يوجد في هذا الكلام كلمة زاحلة أو زائحة من مكانها?!.‏

قالوا: لا والله.‏

قال: فلماذا يعلم الله سبحانه وتعالى الإنسان الياباني والألماني والإنكليزي والطلياني والمسكوفي ما لم يعلم ولايعلمنا ما لانعلم?!‏

وقبل أن يتمكن أحد من الموجودين من الرد عليه استأنف سالم شرابة الخرج يقول: تفسير هذه الآية الكريمة برأيي هوالتالي: إن الله لم يعلم الإنسان مالم يعلم على نحو مباشر, بل إنه جل وعلا, وضع العقل في رأس الإنسان وتركه, وعلى الفور شغل اليابانيون والألمان والإنكليز والطليان والمسكوف عقولهم وشرعوا يفكرون ويخترعون مايلزم لهم في حياتهم ولأجل دنياهم وآخرتهم, وأما نحن, فتركنا عقلنا دون استعمال, فضمر وصغر صار فيه (فضاوة) وصار يصدر أصواتاً ويقرقع أثناء المشي و..‏

وقبل أن يكمل سالم شرابة الخرج فكرته قفز أبونادر البايملي من مكانه وشد ياقة قميص سالم حول رقبته وقال له: أريد أن أفهم بأي حق شرعت توجه لنا كل هذا اللوم والتقريع?! إنك تتكلم معنا وكأننا أغبياء طلطميس كلنا من عداك فإذا كنت فهلوياً ومفتحاً كما تز عم تعال اشرح لنا كيف يشتغل هذا الجهاز الذي يخل العقل الذي يسمى الراديو!‏

الأمر العجيب في هذه القصة أن سالم شرابة الخرج كان في الواقع يعرف كل شيء عن الراديو, وفيما بعد استخدم هذه المعرفة في إجراء مقالب مضحكة, سأرويها على حضراتكم تباعاً.‏

/يتبع/‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية