|
مجتمع
الأدوار الشريرة التي انبرى البعض لتنفيذها وتمويلها انتهت، وأدرك راسموها أن إرادة السوريين لا تُقهر وأن عشقهم لبلدهم يهوّن عليهم كل الصعاب ويدفعهم لتقديم أغلى ما يملكون في سبيل وطنهم.. أما السوريون الشرفاء فإنهم ومنذ البداية على إيمانهم بهذه النتيجة وعلى هذا الأساس «ما بدّلوا تبديلاً» وبقيت حكاية صمودهم هي الأبرز بين كل تفاصيل الانتصار السوري الذي بدأ الأعداء يعترفون به قبل الأصدقاء.. ما زالت تلك «البحّة» تزيّن صوته وتعطي كلماته رونقاً خاصاً به، يشير بسبابته لمن يوجّه الحديث له قائلاً: في الدنيا كلّها لا يوجد مثل سورية، هي أمنّا وبيتنا وكلّ شيء بالنسبة لنا فلا تتخلّوا عنها في وقت شدّتها، نعمنا بخيرها ورخائها كثيراً وهي الآن تتعرض لتكالب الوحوش عليها، هي ستنتصر فكونوا بين الذين يكتبون نصرها.. صحيح أنه لا يتكلم «الفصحى» كما أوردنا كلامه ولكن عينيه تبتدع لغةً أكثر صدقاً من أي أبجدية، يوزّع خلاصة خبرته في الحياة لزواره وهو الذي هدّته الشيخوخة وأعياه المرض، وتخال لو لم تنظر إليه وكأنه يطمع بمنصب حكومي ولكن الحقيقة هي فقط أن حبّ سورية يغمر قلبه الذي تعبَ من سفر السنين بين نبضاته.. في مكان آخر نبتَ الحديث فيه عن موسم الزيتون هذه السنة في محافظة طرطوس، وكان القاسم المشترك هو عدم وجود موسم والخوف من صعوبة تدبّر مؤونة الزيت بسبب غلاء الأسعار وقلّة العرض، خرجت عجوز في حديثها عن المألوف وقالت ما معناه: أنتم تبالغون كثيراً، ماذا لو أنكم عشتم على أيامنا الماضية، كان ثلاثة أرباع أكلنا بلا زيت وأحياناً بلا خبز، الآن كلّ شيء متوفّر فلماذا الخوف؟ خلاصة الكلام: هل نقبل كجيل أن يكون أسلافنا أكثر صلابةً منّا، ولماذا يحبّ بعضنا أن يكثر من النقّ والشكوى؟ بلدنا في حالة حرب، ثلاثة أرباع إنتاجنا معطّل إن لم يكن أكثر، ومع هذا ما زال كل شيء متوفراً، أما الغلاء فقسم كبيرٌ منه بسببنا وبسبب عاداتنا الاستهلاكية، وأكثر من نصف الحلّ ملكُنا.. ذكرنا أكثر من مرّة أنه بإمكان أي منّا أن يضع في عبوتين من الفلين قليلاً من التراب ويضعهما على شرفته ويزرع فيهما البقدونس والبصل والنعناع..إلخ، فما بالك بأهل الريف الذي يهملون «الحاكورة» ويشترون كل شيء من السوق.. هناك من يتفرّج على ثمار التين وهي تتساقط صيفاً وفي الشتاء يشتري كيلو التين المجفف بألف ليرة، وهناك من يمرّ عليه موسم الجني وهو غافل عن التفكير بقادمات أيامه وقد كان بإمكانه أن يضع في «فريزة براده» ولو طبخات قليلة من الفول الأخضر والفاصولياء.. إلخ بدل أن يشتري الكيلو من أي منها الآن بمئتي ليرة وربما أكثر... هي تفاصيل صغيرة لكنها تعزّز صمود الأسرة السورية وتسهّل عليها الحياة أكثر، وفي كل خطوة نخطوها هذه الأيام هناك أثر نتمناه أن يكون إيجابياً علينا كأشخاص وعلى الوطن كرمز.. لا أحداً خارج التأثير إما سلبياً أو إيجابياً، فالتفت حولك واقرأ من سبقك واكتسب خبرة أكثر منك، فالعرس السوري لم يعد بعيداً وليس جميلاً أن تشعر بأنك لم تساهم في صناعته.. |
|