|
كتب والدخول في طبيعة الشخصية الاجتماعية ونموها إضافة إلى وجود الصور الوصفية للبيئة الريفية بكل تفاصيلها وبشكل فني ومدى تأثير هذه الصور في الإنسان خلال مرور الفصول وتعاقبها. ومن الواضح عند الحجلي أن الطبيعة الخلابة أخذت أثرا كبيرا في مخيلته ما جعلها تعكس جمالياتها على المناخ العام لبيئة الرواية وأمكنتها برغم الجو السوداوي الحزين في بعض أماكن الرواية التي تلاءمت مع طبيعة تكوين الشخوص وطرائق حركتها وفق مقدرة الكاتب على التحكم بالبنية السيكولوجية في نفوس الأشخاص والمنعكسة عن البيئة. كما تحتوي الرواية على مجموعة أبطال تميزت حركتهم بالنضال ضد المستعمر والكفاح من أجل حياة حرة كريمة إلا أن بروز وسطوع شخصية البطل الأهم وهو «الأكحل» جعل كل تحولات الرواية ترتبط بمصيره الذي تأثر بمصير الآخرين فكانت الغربة مصيره ومصيرهم وكان الفراق أكثر الآلام المؤدية إلى هم مشترك. وتشارك زوج الأكحل بقية الأبطال في الرواية في تصديها للمستعمر إذ تجسد دورا مهما يتمثل بتصوير حالة الأم المرهقة دائما أمام أطفالها وأولادها وهذا ينعكس على وجود حالة من الشغب عند الأولاد ثم يكبر الأولاد وتتطور الحالة في نفوسهم ويجدون أن بعدهم عن أبيهم وشقاءهم يجب أن يأخذ وضعا طبيعيا فيصبح الأمر عاديا وتبقى الحياة في سياقها الطبيعي. أما منى الصغرى بين إخوتها فأخذت شخصيتها منحى مغايرا إذ تطورت بشكل إيجابي وساهمت في تطور أحداث الرواية ما جعلها تبتعد عن الضياع الذي بات يهدد معظم أبطال الرواية برغم الحزن والأسى العميقين وبرغم الصمت الذي اعتمدته دائما بينما اعتمدت منى سلوكا إيجابيا جديدا أمام كل حالة تصادفها في مسارات العمل الروائي فكان تعاملها مع الأحداث واعيا وناضجا ويتوافق مع السمعة الراقية لفتاة تشق طريقها في الحياة دون أن يمزقها الضياع ويلقي بها إلى التهلكة ما جعلها تنافس كل شخوص الرواية في وجودها الشفاف على كل المفترقات في العمل الروائي. يحاول الحجلي أن يشرك القارئ في معرفة البنية التركيبية لشخصيات الرواية وتحولاتها المتأثرة بالحالة المزاجية والفكرية في المجتمع إضافة إلى صياغة حوار متشعب الحالات تبعا لكل حدث فكانت الرواية متعددة العقد والانفعالات الإنسانية وذلك من خلال لغة سردية متماسكة ترتاح مفرداتها والفاظها في سياق الجملة لتقدم حالة عفوية دون تكلف لأن طريق الحدث طويل والقضية المطروحة تحتاج إلى هدوء في تحريك الشخصيات. وظهرت في الرواية أسس جديدة في معالجة الإشكالات النفسية التي تنتاب الأشخاص بعد تعرضهم لسطوة الاستعمار وقسوة الغربة وفراق الأب والأم وذلك ليصل بمجمله إلى حالات السمو الأخلاقي والحكمة والوصول إلى عبرة تقدم فائدة اجتماعية عالية رغم انتهاء الحدث بالموت والفراق الذي حكم معظم أشخاص الرواية. كما اعتمد الحجلي أسلوبا روائيا جمع خلاله بين الأصالة والمعاصرة فارتكز على حدث انطلقت خلاله الحركة الاجتماعية والنفسية للأشخاص باتجاه متوافق مع العاطفة التي يحاول زرعها في المتلقي لينتهي مع نهاية الحبكة والوصول إلى خاتمة مؤثرة حيث يفترق أبطال الرواية عن بعضهم بعد أن غيبهم إما الموت أو السفر. يذكر أن الأديب الحجلي كاتب وناشر وباحث له عدوة مؤلفات منها روايته آلة الدموع وبحث بعنوان معتقدات مظلمة «التلمود» وآخر بعنوان «العبادات الآثمة والتاريخ المستعار» وشارك في العديد من النشاطات الثقافية داخل القطر وخارجه. |
|