|
كتب فهو بذلك يجلو حياة الفرد الصيني مثلما يجلو حياة المجتمع الصيني، لكي يبين للقارئ أسباب التقدم، ومعاني الصبر والثبات بوجه الكوارث والسلبيات، ولكي يكشف عن درب الحداثة والتقدم والوطنية التي لا سبيل للمكانة والحظوة من دونها.. ويبين الكاتب في مقدمة كتابه، عن الأسباب التي دفعته إلى الخوض في الحياة الصينية، أولها محبته للشعب الصيني وتقديره له، لبطولاته الكبيرة التي سجلها نقشاً على يد التاريخ.. ولتمتع هذه الأمة بالصبر الذي صار درساً حياتياً تقرأ البشرية كلها فيه معاني العمل الإنساني الدؤوب المجتهد، ومنها إبداعه الذي فاق كل إبداع عرفته الحضارات في الشرق والغرب والجنوب والشمال، ويعرض لتاريخه المحتشد بالقيم الأصيلة الذي عشش جمالاً في كل ذات صينية والذي كان بمنزلة الجرس الموجود في كل بيت صيني يقرع صباح مساء، لكي يعي الصيني أنه ابن حضارة ماضية، وراهنة، ومستقبلية، ولهدوئه وتواضعه واعتداله وروحانية البيت الصيني، وتطلعه الأبدي للنهوض الدائم. أما الأمر الثاني الذي حرض الكاتب فهو هذه الروح الشريرة الأميركية التي باتت مرآة أميركا وكتابها وفكرها ودربها، استكباراً واستعلاء وتهديداً وإقصاء وتحييداً وقتلاً وتدميراً واغتصاباً. فقد أراد أن يفتح صفحات المجتمع الأميركي (الأسرة، المدرسة، المجتمع) ليبين للقارئ، الشارع الأميركي وما يحدث فيه من قتل واغتصاب، وبيع للكحول والمخدرات، وشكل العصابات، وحالات السرقة، أما قيمه فهي الأنانية والتكبر والصلف والجلافة، والعداء، وروح العنصرية التي ترافق الطلبة في الجامعات.. وهو بذلك يحذر العالم أجمع من الفكر الأميركي الذي يريد أمركة العالم وبالعصا الغليظة لكي يتوغل بعيداً في دم الإنسانية جيلاً بعد جيل.. يقول الكاتب.. الحديث عن الصين ينقلنا إلى غرائب الدنيا وأعاجيبها فهي وعلى مر الأزمنة والعصور تقف بكل تواضع ثابتة جذورها، ووافرة فروعها، وكثيرة ثمارها وعالم خاص حضارتها.. وقال عنها فولتير: «إنها المملكة الأرق والأقدم والأوسع والأكثر سكاناً والأحسن تنظيماً.. ومن المعروف أن الحضارة الصينية قديمة قدم التاريخ الإنساني ومستمرة مع استمرار الحياة البشرية، وهي لم تحصر نفسها داخل الجغرافيا السياسية، إنما نشرت حضارتها لتعم الشرق الآسيوي كله، ولكي تتلاقح غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً مع الحضارات الأخرى. وفي باب الأفكار الطبية عند الصينيين نتوقف: «زعم قدماء الصينيين أن الحلو يقوي العضلات، والمالح يغذي العروق، والمر يبني الجسم ويقويه، كما بحثوا طويلاً في الوسائل التي ظنوا أنها تطيل العمر، وكانوا أول من استعمل اللقاح للوقاية من الجدري..». وفي الجزء الثاني من الكتاب يتوقف الكاتب عند بعض العناوين التي تشي بالعالم الأميركي، فرغم ما تتمتع به أميركا من التقدم العلمي في الطب والهندسة والكيمياء وكل الاختراعات وصولاً إلى مراكب الفضاء والعقول الإلكترونية، فإن داخلها هش، فالمناخ الاجتماعي فيها مشوه بسحب الإجرام القاتمة. فكل يوم تذاع أخبار الخطف والسطو والسرقات، والحرية المطلقة تبيح حمل السلاح دون ضوابط، وهناك تفكك في العائلات وتعاطِ للمخدرات منذ سن مبكرة، حتى أصبحت المخدرات آفة الآفات في المجتمع الأميركي وحطت به كثيراً في كل مجالات الحياة الصحية والنفسية والخلقية والعلمية. وقد كشفت إحدى تقارير البنتاغون عن ازدياد الجرائم الجنسية وارتكابها في صفوف الجيش الأميركي، حتى سجلت 26 ألف جريمة متنوعة في صفوف القوات الأميركية ومن بينها الاغتصاب. أما عن تعصب أميركا الأعمى «لإسرائيل» فيذكر الكاتب حادثة طرد أشهر علماء الآثار من الجامعة في أميركا لدحضه الخرافات في كتابه (التاريخ القديم للإسرائيليين) وحض فيه المرجعية التاريخية المفترضة للتاريخ اليهودي، قصص العهد القديم، التوراة، واعتبرها من صنع الخيال سنداً لنتائج التنقيبات الأثرية في العقد الأخير التي برهنت حسب كتابه أنها حقيقة علمية. وكشفت دراساته أن جميع قصص وكتاب العهد القديم تقريباً بما فيها قصته عن الأرض الموعودة وهي أساس العقيدة الصهيونية هي من صنع الخيال، وأنها كتبت في القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد ما بين 500 و 1500 سنة من الأحداث التي ترويها، ولم يتم العثور على أثر لقيام مملكة «إسرائيل». إذاً الكتاب فيه صرختان، صرخة محبة للشعب الصيني الجبار، وصرخة ألم تجاه ما تفعله العقلية الأميركية الظلامية، وتجاه ما تفعله اليد الأميركية السوداء.. الباطشة.. الكتاب: رحلتي إلى الصين.. العملاق الصاعد- دراسة 2013 - المؤلف: الدكتور عبد اللطيف ياسين قصاب |
|