تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إيـــــران الثـــــــــورة.. والعـــــــداء الغربي الإســـــــــرائيلي

شؤون سياسية
الأحد 21-2-2010م
بقلم: محمد خير الجمالي

لماذا استحكم العداء بالعلاقة بين إسرائيل وأميركا والغرب من جهة وإيران الثورة من جهة أخرى.. ما هي الدوافع المحرضة عليه لدى الطرف الأول.. وماذا عن آفاقه المستقبلية بعد أن بات يتخذ طابع الصراع الحاد بين الطرفين..؟

الجواب عن مجمل هذه الأسئلة يكمن في طبيعة الفكر الذي حملته الثورة بحد ذاته وفي طبيعة التغيير الذي أحدثته على مستوى الدور الإقليمي لإيران وكذلك في التطور الهائل الذي تحقق لها على صعيدي العلم والتكنولوجيا وأثره في انعتاقها من أسر التبعية والإلحاق.‏

فمنذ باكورة أيامها الأولى, جاءت الثورة بفكر جديد يخشاه الغرب وإسرائيل لارتكازه على مبادئ رفض سياسات الهيمنة والاستغلال التي مارسها الغرب لقرون عدة ضد إيران ودول المنطقة, ودعوة دول الإقليم وشعوبه إلى التحرر من ربقة الظلم الأجنبي, والنضال ضد كل أشكال التبعية من أجل امتلاك أسباب التقدم والاستقلال.‏

وخشية الغرب من هذا الفكر تعود إلى أن المناداة بالحرية والاستقلال تعني شيئاً واحداً هو تصفية سياسة النهب الاستعماري لإيران ونفطها وثرواتها التي بدأت بممارستها بريطانيا ثم ورثتها منها أميركا بحكم أنها الوريث الشرعي للاستعمار الأوروبي بعد أفول نجمه, يضاف إلى ذلك أن تمكن إيران من تصفية هذه السياسة قد يشجع دولاً أخرى على الاقتداء بهذا الفكر وترجمته على أرض الواقع سياسة مناهضة لبقايا الاستعمار.. والاستعمار الجديد, وهذا مالا يرضى به الغرب وأميركا وإسرائيل لأنه يمس جوهر مصالحهم وسياساتهم في الشرق الأوسط.‏

والدافع الثاني لهذا العداء كان في التحول الذي حملته الثورة على مستوى دور إيران ومواقفها وسياستها حيال قضية الصراع العربي الإسرائيلي.‏

فقبل الثورة كانت إيران المحكومة بنظام الشاه أداة طيعة في خدمة السياسة الأميركية وقوة داعمة لإسرائيل وأطماعها تشكل ضغطاً كبيراً على العرب ونضالهم العادل ضد المشروع الصهيوني والدور الوظيفي لإسرائيل في منع العرب من إحراز أي تقدم باتجاه استكمال استقلالهم.‏

وزاد من هذا الضغط أن مصر التي كان ينظر إليها على أنها ذات الوزن النوعي في الصراع, خرجت من ساحته بموجب اتفاقات كامب ديفيد لتخلف بخروجها فراغاً كبيراً يصب في مصلحة التحالف الأميركي الإسرائيلي وعلى حساب عرب المواجهة.‏

وكان على العرب أن ينتظروا التغيير الكفيل بملء هذا الفراغ الاستراتيجي الخطير من الثورة الإيرانية التي ما أن نجحت في إسقاط نظام الشاه حتى بدأ كل شيء يتغير في إيران شاملاً دورها ومواقفها وسياستها, وكانت نقطة التحول الكبير في هذا التغيير هي إنزال العلم الإسرائيلي عن السفارة الإسرائيلية وجعل المقر سفارة لفلسطين وإعلان التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني والقضايا العادلة للعرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية, الأمر الذي جعل إسرائيل تدخل مرحلة انعدام الوزن وتناصب إيران عداء حاقداً وتبدأ مرحلة من التحريض ضدها لا تنتهي لأن انتصار الثورة والتحول بدور إيران شكلا ضربة موجعة لها أحبطت كل مخططاتها الرامية إلى الخلل بمعادلة الصراع وتوازناته.‏

أما الدافع الثالث فيعود إلى التقدم الواسع الذي حققته الثورة لإيران في مجالي العلوم والتكنولوجيا, وتحولها إلى دولة ذات حضور إقليمي فاعل وتمتلك القدرة الكافية للدفاع عن مصالحها وسياستها المبدئية.‏

لقد تحولت إيران بعد الثورة من قوة حليفة للغرب وإسرائيل تقف ضد العرب وقضاياهم, إلى قوة داعمة لهم ومناصرة لنضالهم العادل, وإذا كانت سورية أول من أدرك الأهمية الإستراتيجية لهذا التحول ووقفت بكل قوة إلى جانب إيران وثورتها وأقامت معها أفضل العلاقات وأوسعها, فإنما أعطت بذلك أنموذجاً للموقف الصائب الذي نأمل من العرب الاقتداء به خدمة لمصالحهم القومية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية