|
فضاءات ثقافية والشاعر نزار قباني أشهر من أن نعرف به, أما الدكتور منير العكش فهو واحد من أبرز الباحثين العرب في الدراسات الأميركية وأستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة في جامعة «سفك» بولاية بوسطن, وله مؤلفات عديدة هامة, كان آخرها ( عروق القدس النازفة ) الصادر عام 2009 بمناسبة الاحتفاء بالقدس كعاصمة للثقافة العربية عن وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر. منير العكش : هل يشاركك جمهورك في كتابة القصيدة ؟ نزار قباني : إذا كنت تعني بالمشاركة أنّ هذا الجمهور يجلس على أصابعي عندما أكتب، فهذا غير صحيح. أمّا إذا كنت تعني بالمشاركة أنّني أستقطب هموم هذا الجمهور وانفعالاته وأتحسّس بها كما تشمّ الخيول رائحة المطر قبل سقوطه... فهذا صحيح. بهذا المعنى، أنا أقف على أرض التوقّع والنبوءة. منير العكش : تعني أنّ هموم الجماهير استغرقتك كلّية، وأنّه ليس هناك انفصال بينها وبين تجاربك الصغيرة ؟ نزار قباني : ليس عندي تجربة صغيرة وتجربة كبيرة. كلّ تجاربي هي في الوقت ذاته تجربة العالم كلّه. فأنا، حين أتحدّث عن حبّي، إنّما أتحدّث عن حبّ العالم كلّه، وحين أتحدّث عن حزني، إنّما أتحدّث عن حزن الدنيا بأجمعها. تخطئ حين تظنّ أنّ تجربة الشاعر الجزئية تجيء من برزخ آخر. فالشاعر جزء من أرض، ومجتمع، وتاريخ، وموروثات ثقافية ونفسية وعضوية. وكلّ كلمة يضعها الشاعر على الورقة، تحمل في ثناياها الإنسانية كلّها. والتجربة الذاتية التي تظنّها صغيرة، تأخذ في بعض الأحيان حجم الكون. لذلك فإنّ خصوصيات الشاعر، بمجرّد اصطدامها بالورق، تتعدّى ذاتها، لتصبح فضيحة، فضيحة يقرؤها العالم. إنّ الأدب الذاتي خرافة... وافتراض. فالذات ليست إلكترونا منفصلا ولكنّها جزء من حركة الكون. حتّى في حالات عشقي الشخصي، أشعر أنّ الواحدة التي أحبّها... هي كلّ النساء. منير العكش : أتصوّر أنّ المرأة في شعرك لم تكن قضية، بقدر ما كانت بطاقة إلى الجماهير. أعني أنّ المرأة في شعرك «مَضافة» تذوّقها كلّ مرّة بما يرضي أذواق الضيوف ويخدّرهم. نزار قباني : المرأة، كانت ذات يوم وردة في عُروة ثوبي، خاتما في اصبعي، همّا جميلا ينام على وسادتي، ثمّ تحوّلت إلى سيف يذبحني. المرأة عندي الآن ليست ليرة ذهبية ملفوفة بالقطن، ولا جارية تنتظرني في مقاصير الحريم، ولا فندقا أحمل إليه حقائبي، ثمّ أرحل. المرأة هي الآن عندي أرض ثورية، ووسيلة من وسائل التحرير. إنّني أربط قضيّتها بحرب التحرير الاجتماعية التي يخوضها العالم العربي اليوم. إنّني أكتب اليوم لأنقذها من أضراس الخليفة، وأظافر رجال القبيلة. إنّني أريد أن أنهي حالة المرأة- الوليمة، أو المرأة – «المَنسف» وأحرّرها من سيف عنترة وأبي زيد الهلالي. ما لم نكفّ عن اعتبار جسد المرأة «مَنسفا» تغوص فيه أصابعنا وشهواتنا، وما لم نكفّ عن اعتبار جسدها جدارا نجرّب عليه شهامتنا، ورصاص مسدّساتنا، فلا تحرير إطلاقا. إنّ الجنس هو صداعنا الكبير في هذه المنطقة، وهو المقياس البدائي لكلّ أخلاقيّاتنا التي حملناها معنا من الصحراء. يجب أن يعود للجنس حجمه الطبيعي، وأن لا نضخّمه بشكل يحوّله إلى غول أو عنقاء. الكائنات كلّها تلعب لعبة الجنس بمنتهى الطهارة. الأسماك... الأرانب ... والأزاهير... والعصافير... وشرانق الحرير... والأمواج.... والغيوم... كلّها تمارس طقوس الجنس بعفوية وشفافية، إلاّ نحن فقد اعتبرناه طفلا غير شرعي، وطردناه من مدننا وجرّدناه من حقوقه المدنية. |
|