|
ثقافة جذر التداعي البصري ينبثق من مشاهدة فيلم (becoming gane) الذي يحكي عن حياة الكاتبة البريطانية «جين أوستن».. يركّز على الحب الوحيد الذي عاشته الكاتبة ولم يكتب له الاستمرار. بداية نشوء قصة الحب بينها وبين الشخص الذي أحبّت.. تُذكّر بقصة حب حاكها قلم أوستن في أشهر أعمالها (كبرياء وتحامل - pride and prejudice).. لاسيما أن الرواية حوّلت بدورها إلى فيلم بذات العنوان.. ما يدعم تقاطعات كثيرة ولمحات تتشابه بين الأصل الواقعي ونسخة الشبه الروائي. يرى الكثير من الدارسين أن عائلة السيد بينيت، العائلة المحورية في (كبرياء وتحامل)، تشبه عائلة جين أوستن في الكثير من المواضع.. وأن شخصية البطلة إليزابيث بينيت تشبه إلى حد كبير شخصية جين أوستن.. فهل كان كبرياء وتحامل بطلتها إليزابيث تجاه السيد دارسي، الذي أحبّت فيما بعد، تعبيراً عن مشاعر خاصة عاشتها أوستن تجاه الرجل الوحيد الذي أحبته..؟ يبدوالأمر أكثر من ممكن.. لدى التدقيق في تلك الأجواء التي عملت الكاتبة على نقلها فيما كتبت.. إذ اُعتبرت أعمالها أولى الروايات الحديثة بالإنكليزية.. تدور حول الحياة اليومية ومشكلاتها لدى الطبقة الوسطى في القرى الإنكليزية الشبيهة بالتي عاشت فيها الكاتبة.. فرصدت طرائق تفكير هذه الطبقة.. صوّرت علاقاتها الإنسانية برؤية دقيقة.. وكانت نتاجاتها من أولى الكتب التي ناقشت حياة النساء أوائل القرن التاسع عشر. تنغمس رواية (كبرياء وتحامل) بتفاصيل حيوات الفتيات الخمس لهائلة بينيت.. حيث لا همّ لدى والدتهن سوى التركيز على وسائل تؤمّن تزويجهن. تروى غالبية أحداث الرواية من وجهة نظر إليزابيث، وتبقى قصتها الأكثر أهمية. تبرع الروائية بنقل بيئة القرى الإنكليزية وطريقة الحياة التي كانت سائدة مطلع القرن التاسع عشر.. تناقش أخلاقيات ذاك الزمن وأمور التنشئة والفضيلة والزواج في مجتمع طبقة ملاك الأراضي. بأدبها.. دائماً اهتمت بإظهار اعتماد المرأة على الزواج لضمان المكانة في المجتمع.. ما يعني انشغالها بقضايا المرأة. على سبيل المثال، في روايتها (إيما) تُظهر مشكلات ومخاوف نساء الطبقة الغنية في العهد الجورجي.. حيث تدور الأحداث حول الفتاة الغنية الجميلة إيما وددهاوس.. في (نورثينغر أباي) البطلة أيضاً فتاة هي كاثرين مورلاند.. وفي (عقل وعاطفة) تصّور قصة الفتاتين إلينور وماريان.. وفي (مانسفيلد بارك) تحكي عن فتاة تدعى فانسي بريس.. وهوما يجعل من أدبها مجالاً غنياً بأوضاع نساء ذاك الزمن.. إذ ليس عن عبث جاء قول سومرست موم عن أوستن: (لقد وجدت المرأة نفسها عندما ولدت جين). بجمع منمنمات تلك التوصيفات التي تنثرها الروائية بمختلف رواياتها تتشكل لوحة ذات مشهدية عامة عن حال نساء القرن الذي عاشت فيه جين أوستن المولودة عام 1775م، في ستيفنتن في بريطانيا.. تعلّمت في المقام الأول على يد والدها الذي كان قسّاً قروياً ثم في مدرسة داخلية. لم تتزوج طوال حياتها.. أحبّت لكن لم يكتب لها الارتباط بمن أحبت. توفيت عام 1817م، بسبب مرض أديسون وهي في الواحدة والأربعين من العمر. بطلات أوستن اللواتي حِزنَ على الاهتمام الأكبر من موجدتهن.. يقاربن في عملها (كبرياء وتحامل) حيث عائلة بينيت، الصورة العائلية للمؤلّفة.. كما يرى النقاد والدارسون لأدبها. ثيمة البيت الذي يجمع عنصر الأنوثة ويعالج قضاياها من خلال شخصيات العمل.. تتوافر لدى روائية أخرى، الأميركية لويزا ماي ألكوت، التي عُرفت أكثر ما عُرفت بعملها الأهم (نساء صغيرات) الصادر عام 1868م. عبره تصوّر حياتها مع أخواتها الفتيات.. وصادف هذا الكتاب الكثير من النجاح.. فأُعيد نشره مرات عدة.. وطُبع منه بالإنكليزية وحدها ثمانية ملايين نسخة وتُرجم إلى معظم اللغات الأجنبية.. كما تمّ تحويله إلى السينما مرتين، آخرها كان عام 1994م، بطولة سوزان سارندون ووينونا رايدر. تحكي الرواية عن أسرة مارش المكوّنة من أب وأم وأربع فتيات أعمارهن ما بين العاشرة والسادسة عشرة. تسرد تفاصيل حياة هؤلاء الفتيات اللواتي عشن زمن الحرب التي اندلعت ما بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة الأميركية.. يرحل والدهن ليساعد جرحى الحرب فتعاني الأسرة من الفقر والحاجة دون أن يمنعها سوء الحال من مساعدة الآخرين المحتاجين. تمر العائلة بسلسلة من المواقف المحزنة لكن ذلك لم يُبعد أفرادها من التقاط لحظات الفرح. كتبت لويزا ماي ألكوت طوال مسيرتها الأدبية أكثر من عشرين كتاباً لكن أحدها لم يصل لشهرة (نساء صغيرات).. وذكرت يوماً أن سبب نجاح كتابها هذا يعود إلى واقعيته المستمدة من وصفها لحياتها التي عاشتها مع أخواتها الثلاث. ولدت لويزا عام 1832م، كاتبة وروائية أميركية.. عُرف عنها دعوتها لتحريم العبودية.. وهي من دعاة تحرير المرأة ومنحها حقها في الانتخابات. توفيت في إحدى ليالي عام 1888م، واختلف الأطباء في تحديد سبب وفاتها إن كانت لضعف عام أم بجلطة قلبية. مع (جين أوستن) و(لويزا ماي ألكوت).. يختلط الأصل بالخيال.. تموّهان بإطلاق أسراب نساء لم تشغل حيز مملكتهما الورقية فحسب إنما كان لهم موقع الصدارة في دنيا الواقع الذي عاشتاه.. دون نكران وجود اختلافات بحالة التوظيف وطريقته.. فبينما نقلت ألكوت واقع حياة الحرب.. بقيت أوستن، التي شهدت عبر حياتها شيئاً من حرب وثورات،بقيت تبتعد عن الخوض في هذا المجال.. مفضلةً أن تضع كل شخصيةٍ من شخصياتها بواجهة حياتها الخاصة.. فهل انشغلت الأولى بحكايا حب بطلاتها.. بينما نقلت الثانية أجواء حرب أحاطت بنسائها.. |
|