تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حطام مفتوح لا صفر مطلق

شؤون سياسية
الاربعاء 7/2/2007
عادل دندش

مرت على المنطقة العربية عبر تاريخها الطويل عدة غزوات كان آخرها الاستعمار الغربي من القرن الماضي وقسم من

هذه الغزوات البشرية ذاب وامتزج مع نسيج وسكان المنطقة ورغم أن الاستعمار الغربي خرج من جميع الدول العربية بثورات التحرير والاستقلال فإنه لا تزال له ركائز ثقافية وسياسية واقتصادية ومعاهدات واتفاقيات‏

لا تخدم الأمن القومي العربي ومصلحة الأمة ويسبغ الغرب صفة الصداقة وهي بالحقيقة خضوع وارتهان للقوى العظمى في الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وتوازن القوى وبروز الولايات المتحدة( القطب الأوحد في العالم ) وبروز النظام العالمي الجديد للمزيد من الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي والثروات النفطية الهائلة.‏

وتم استغلال أحداث 11 أيلول 2001 لبناء وتكوين امبراطورية الشر الأميركية الجديدة والتي مهد لها منذ بداية التسعينيات مفكرون وكتاب أشبعوا نظرياتهم بالحقد والعنصرية للحضارات العريقة الأخرى مثل صومائيل هنتنغتون بكتابه صدام الحضارات عام 1993 وقال فيه: إن الانقسام الأساسي داخل المجموعة البشرية سوف يتمحور حول العوامل الثقافية التي ستصبح المصدر الرئيسي للصدام .‏

ويوضح لاحقاً أن الصدام سيكون بين الغرب من جهة والحضارتين الاسلامية والكونفوشيوسية من جهة أخرى. وكتاب نهاية التاريخ لفرنسيس فوكوياما عام 1989 وقامت هذه النظرية على فكرة أن التاريخ قد انتهى مع انهيار المعسكر الاشتراكي والكشف عن أن الانتصار الحاسم والنهائي للفكر الليبرالي الغربي.‏

إن تاريخ الامبريالية الأميركية قاتم السواد انسانياً وحضارياً وقانونياً ولا تزال مستمرة في الغزو والعدوان والاحتلال وتضيف لرصيدها الأسود يومياً أعمال القتل والتدمير وممارسة ارهاب الدولة الأولى في العالم وتلصق هذه التهمة بالدول التي تعارض وتمانع سياستها وسيطرتها قي العالم.‏

لقد كان استخدام الأسلحة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية -إذ أظهر تفوق أميركا وحلفائها وانتصارهم بدا واضحاً جريمة -تلطخ جبين الرأسمالية الأميركية. و حرب كوريا وفيتنام التي ذهب ملايين البشر ضحايا بسببها وتنحاز كلياً للكيان الصهيوني منذ أكثر من خمسين عاماً وتقدم له العون المادي والمعنوي وبسبب غزوها واحتلالها للعراق بلغ عدد المواطنين العراقيين الذين قتلوا حتى الآن أكثر من ستمئة وخمسين ألف عراقي.‏

وتطلق الإدارة الأميركية شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أداة ضغط على الدول والشعوب لتحقيق مصالحها وقد قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد :إن أميركا لا تقاتل في الخارج من أجل الحرية والديمقراطية وإنما من أجل الهيمنة والمصالح والسيطرة على العالم في ظل تفردها كقطب وحيد مقابل ضعف الكتل الأخرى.‏

ويمكن اعطاء صفة العامل الخارجي للتدخل الغربي وخططه ومشاريعه للمنطقة العربية أما العامل الداخلي في الدول العربية والذي يساعد الغرب على تحقيق مطامعه وأهدافه وغزوه الثقافي والتأثير العولمي الجارف كصناعة أميركية فهي متعددة الجوانب من ضعف وفساد وتمزق وغياب الحد الأدنى من التنسيق والتضامن وانعدام التخطيط والتنمية في المجتمع العربي وتأثيرات العامل الخارجي والداخلي والذاتي في بروز الأصولية المتطرفة التي ترفض كل شيء لا يستجيب لطروحاتها وأفكارها المغرقة في التخلف.‏

وهذه الأوضاع المتشابكة والمعقدة والخطيرة على حاضر ومستقبل الأجيال العربية مرت بها دول وبلدان كثيرة فالصين مثلاً ذات المليار والثلاثمئة مليون نسمة طرحت مقولة اطعام الصينيين خلال عشر سنوات وحققت ذلك بتفوق ووضعت مشروعاً لاسكان وإلباس الشعب الصيني وانتهى عام 2000 وباتت الصين لا تلبس سكانها فحسب بل تكسي أربعين بالمئة من سكان العالم وتتمتع بنسبة نمو أعلى من جميع الدول والمثال الثاني الهندي القريبة من مليار نسمة وتضم قوميات وأعراقاً وديانات مختلفة تلتزم ديمقراطية تقدرها أمم متعددة وتصدر خبراء المعلوماتية حتى للولايات المتحدة الأميركية.‏

ولا يوجد من لا يقر بالأخطار المحدقة بالأمة العربية وماتعانيه من صعوبات ومشكلات في جوانب متعددة من جميع المفكرين والسياسيين والعلماء الغيارى على وجود ومستقبل وهوية هذه الأمة وما يخطط لها من مشاريع كالشرق الأوسط الكبير ثم الجديد والفوضى الخلاقة ومشاريع التفتيت والتقسيم وشحن النفوس وإثارة الغرائز واستغلال تناقضات الواقع العربي وتغذيتها بما يخدم هيمنة وسيطرة أميركا وبقاء إسرائىل هي الأقوى ومحور المنطقة ورغم هذا الواقع والأجواء الملبدة التي تعوق كل شيء في المنطقة فإن تاريخ نضال الشعوب من أجل الحرية والاستقلال يستمر ضد الظلم والعدوان والاحتلال مهما كانت قوته وجبروته فالشعب الفيتنامي قهر نفس هذا العدو في سبعينيات القرن الماضي .‏

وشعبنا العربي في الجزائر قدم أكثر من مليون شهيد للتخلص من نير الاستعمار الفرنسي ولبنان الصغير بمساحته وسكانه الكبير بمقاومته الشريفة الباسلة التي تصدت وانتصرت على أكبر قوة عاتية في المنطقة في عدوان تموز 2006 على لبنان من قبل إسرائىل بالوكالة والتنسيق مع أميركا .‏

فكل هذه التجارب الحية والكبيرة لشعبنا تدل على بطلان فكرة نهاية التاريخ التي بشر بها فوكوياما وإن تنوير واستغلال الجذور والعوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية والمصير المشترك كحامل رفع ووعاء ايجابي ورهان لتحرك حيوي وبدايات جديدة تتشكل وتنمو كالخلايا الحية فليس هناك نهاية للأمة العربية ومن هذا (الحطام المفتوح وليس من الصفر المطلق) كما عبر عنه الدكتور والمفكر العربي طيب تيزيني :تنطلق إرادة ضمائر اللحظات الأخيرة من شعبنا وبقوة وتصميم نحو مشروع نهضة عربية متجددة ترفض الظلم والقهر والفساد والعدوان وتؤسس لغد حر أفضل لهذه الأمة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية