|
معاً على الطريق وكان حين طباعته نائبا بطريركيا عاماً, لفتني فيه وجود خريطة سمّاها المؤلف (مهد الأمة المارونية) وموقعها في شمال سورية ووسطها, وبعيداً عن الدخول في سجال حول تعريف الأمة, وهي واقع اجتماعي بحت, لا تفصّل في الجغرافيا على مقاس طائفة أو مذهب, فإن الكتاب حفزني لزيارة (المدن الميتة) وسورية الوسطى مرات عدّة مستطلعاً ومستمتعاً, وصولاً إلى البحث عن مدفن مار مارون,الذي أفرد له الكتاب صورة واضحة في قرية (براد). وفي رحلة البحث عن مهد مار مارون الآرامي السوري, وصلت إلى قرية أكدة قرب الحدود مع تركيا التي كانت تدعى (كيتا) ومنها انطلق الناسك من حضن معلمه الشهير (زابينا) إلى بلدة (نيارا) القريبة من (اعزاز) حيث تنسك مع صديقه داميانوس في كوخ على بيدرها, وصولاً إلى (كفر نبو) منطلق حضوره وتبشيره وانقضاضه على التماثيل الوثنية وبناء كنيسته وصولاً إلى مدفنه في (براد). كان مشوار البحث طويلاً, لكنه يستحق العناء, نجم عنه فيلمان وثائقيان, واحد خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى سورية ضمن مجموعة أفلام (أعمدة النور) حيث كشف للمرة الأولى ناووس مار مارون, والثاني قبل سنتين وعنوانه (في ديار مار مارون) تابع بالصورة الموثقة حياة ناسك الشمال السوري ورحلة الموارنة إلى لبنان. ما سبق تمهيد طويل للدخول في لجاجة الأسئلة التي تؤرق الباحث عن الحقيقة, فلقد تصورت بعد الكشف عن موقع تبشير مار مارون والناووس الذي ضم جثمانه منذ العام 1410 للميلاد أن تسعى البطريركية المارونية, التي تأخذ حضورها من اسم شفيعها إلى الحج نحو ذلك الشمال الجميل الذي عاش فيه الراهب والناسك الآرامي, الذي توفي بعد مرض دون أن يترك رهبانية أو يؤسس طائفة أو مذهبا, بل ترك فضائل شاعت بين أهل زمانه فتحولت (كفر نبو) لسنوات طوال إلى موئل للحجيج, وكذلك المعبد الملحق بكنيسة جوليانوس في (براد) حيث وضع جثمان مار مارون, لكن وبعد ست سنوات من إزاحة التراب الذي غطى الناووس طيلة أربعين عاماً يبدو أن السياسة توغل في الإيمان, فالبطريركية لم تنبس ببنت شفة ولم تحرك ساكناً وسافر البطريرك عبر القارات إلى رعيته في البرازيل وكندا وإلى البيت الأبيض, ولم يزر رعيته السورية أو ملاعب طفولة ونسك وناووس وكنيسة شفيع بطريركيته. لا تبرير إيمانياً وحتى سياحياً لهذا الأمر, إلاّ أن مار مارون (لسوء طالعه) في العصر الأمريكي, أنه سوري الأرض والهوية والولادة والتبشير والوفاة, في زمن نسي الكثيرون بيوتهم وأروماتهم وأجدادهم وقراهم, بعدما دخلت السياسة والأحقاد, التي يصل بعضها إلى العنصرية المطلقة, بعض محاريب من آمنوا. أسوق هذا الكلام لأنه لا يمكن طمس حقائق التاريخ والجغرافيا, وعيد مار مارون بعد غد, فمهما تغرّب القوم لا بدّ من أرض وهوية لهم, وإلاّ سيصبحون تفصيلاً في سياق التاريخ, وهذا ما جعلني أغض الطرف عن تصرفات بعضهم السياسية عبر تاريخنا الطويل,وتحديداً خلال الحملة الصليبية, رأفة بانتماء إلى هذه الجغرافيا وهذا التراث .. وللذين يقرؤون الأحداث جيداً عليهم مراجعة حقبة البطريرك يوسف الجرجسي!!. في التاريخ عبرة..لذوي الانتماء. كاتب وصحفي لبناني |
|