|
أبجــــد هـــوز كان ناظم حكمت الشاعر التركي يسارياً مناضلاً . وكلمة يساري تعني أن تفطر وتتغدى وتتعشى مع اليساريين أو وحدك على الأقل . لا أن تفطر مع اليساريين وتتغدى مع اليمينيين . وكما يقال في العصر الحاضر أن تفطر مع المعارضة وتتغدى مع الحكومة . أصلاً لا اليمين شتيمة ولا اليسار مديح . نشأ مصطلح اليسار واليمين من فرنسا حيث كان يجلس على يمين الملك النخبة من الاقطاعيين والرأسمالين وعلى يساره ممثلو عموم الشعب أي الكادحين . ومنه صار اليسار رمزاً لشعارات الطبقة المسحوقة ، واليمين رمزاً للطبقة ( إللي الله رازقها ) أي للطبقة التي حصّلت ثرواتها بعرق الطبقة الأخرى . مع أن ناظم حكمت لم يكن مبدعاً كبيراً ، لكن تاريخه ونضاله حقق انتشاراً كبيراً ، غطى على قيمته الابداعية . بينما نيرودا مثلاً كان يملك قيمة ابداعية موازية تقريباً للنضالية . مسألة اليسار واليمين كانت وستبقى اشكالية وخاصة في عالمنا العربي . طفلتي الصغيرة مثلاً تجلس أمامي وتقول لي هذه يدي اليمين وهذه اليسار . وأنت يا بابا ؟ أقول لها هذه يدي اليمين وهذه اليسار . وكوني أجلس أمامها فإن يدي اليمين تكون مقابل يدها اليسار . فتقول لي يا بابا لماذا يدك اليسار غير يدي اليسار واليمين أيضاً ؟ حيرني هذا السؤال وكيف أجيبها . فأجلسها في حضني فتتطابق يدي اليمين على يمينها ويساري على يسارها . وحين تعود وتجلس أمامي تقول لي لماذا صارت هذه اليسار وهذه اليمين ؟ أعادتني إلى الإشكالية . قلت لها يا بابا منذ الأزل ثمة اختلاف وإشكالية في هذا الأمر . كان الحل هو أن يجلس اليسار في حضن اليمين حتى يحصل التطابق وأحيانا العكس . المهم أن لا يكون هناك إشكال . أصلاً نادراً ما كان هناك يسار ويمين في عالمنا العربي . أثناء الشعارات الكل يطرح شعارات اليسار وحين الوصول الكل ينفذ شعارات اليمين . فلماذا نشغل أنفسنا بجدال لا مبرر له ؟ تعود طفلتي بخبث وهي مبتسمة ، تشبك يديها وتقول لي : ( هلق أياها اليمين وأياها اليسار) ؟ المهم كان أصدقاؤنا اليساريون يرددون دائما مقطعاً متفائلاً لناظم حكمت . حيث يقول : أجمل النساء تلك التي لم نرها بعد وأجمل القصائد تلك التي لم نكتبها بعد ، وهكذا . . طبعا كان مغرياً أن نتابع قصيدة ناظم حكمت ونقول استطراداً في التفاؤل : أجمل القرارات ذلك الذي لم يصدر بعد ، أجمل الضرائب تلك التي لم تفرض بعد ، أجمل المسؤولين ذلك الذي لم يعيّن بعد ، أجمل الزوايا تلك التي لم ترفض بعد ، أجمل الحكومات تلك التي لم تُشكل بعد .. |
|