|
ثقافة كان لها دور مهم في تاريخ الحضارة خلال أربعة آلاف عام ق.م وهي مواقع حبوبة الكبيرة - ماري - تل الشيخ حمد - ودورا أوروبوس، وكل واحدة من هذه المدن قدمت مساهمة كبيرة في نقل الحضارة من مرحلة إلى أخرى ابتداء من نشوء المدن الأولى إلى القرون الأولى الميلادية. حبوبة الكبيرة دلل الباحث على أن مدينة حبوبة الكبيرة تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات ويعود تاريخها إلى الثلث الأخير من الألف الرابع قبل الميلاد، وتعتبر من أولى المدن الرائدة في تسارع الإنسانية بعد أن أمضت البشرية ستة آلاف عام من تاريخها في مرحلة القرى قبل الانتقال إلى مرحلة المدن، ومن معالم هذه المدينة الأولى، الأسوار التي تحصنها والبوابات، والشوارع الرئيسية المستقيمة والبنايات السكنية والعامة، متعددة المخططات والمساحات. وقدمت التنقيبات في هذا الموقع الدليل على وجود مخطط مركزي للمدينة التي امتلكت نظاماً لسحب المياه وتصريفها بواسطة أنابيب من الفخار، وقنوات مغلقة، وهذا كله يدل على تخطيط مكثف، ومقدرة تقنية متطورة، وتشهد المكتشفات في هذا الموقع على وجود ثراء وكثرة في الأدوات المستعملة في الحياة اليومية والمصنعة في الموقع نفسه، مثلما تشهد البقايا المعمارية على حدوث تطورات اقتصادية واجتماعية مهمة، قادت فيما بعد إلى نشوء الدول الأولى في التاريخ والولوج إلى عصر الكتابة، وتدل الأختام الاسطوانية والرموز الطينية المبشرة بظهور الكتابة الأولى، على أن هذا الموقع عرف حياة اقتصادية متشعبة ونشطة مع سياقات واضحة لحماية الثروة وتطوير استثمارها في ظل نظام إداري دقيق. مملكة ماري وأشار الباحث إلى أن ماري شغلت الفترة ما بين الألف الثالث قبل الميلاد والنصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد، وهو عصر بلوغ المعارف والتنظيم والقانون والرياضيات وكانت منتشرة في العراق وسورية، من البحر المتوسط إلى جبال طوروس، وركز الباحث في محاضرته من خلال وسائل الايضاح على القصر في ماري والدور السكنية، حيث إن كل بيت يقدم لنا أرشيفاً من الآثار وهناك معابد بعض منها ظهر داخل القصر. القصر في ماري شمل على أربعة عشر جناحاً، لكل جناح وظيفة، وتتم مبادلتها بين أجنحة القصر، وكان الملك يراسل المسؤولين، وكل واحد يكتب لكل واحد في القصر، وتعتبر هذه إمكانية هائلة عن التوثيق، حيث كانت المراسلات دقيقة وتعبر عن الأفكار، وعند حدوث الطوفان كانت السلالة العاشرة هي التي تحكم، طبعاً اختفى الجزء الشرقي لماري مع مجرى النهر ويوجد فيها معبد عشتار ذو الشكل الدائري. تل الشيخ حمد يقول الباحث د. حنون أن تل الشيخ حمد موقع أثري على الضفة اليسرى لنهر الخابور، وهذا الموقع يضم بقايا مدينة - دور كتليمو - التي نشأت في الألف الثاني قبل الميلاد، ووصلت ذروة توسعها وتطورها في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، وجاءت نتائج التنقيب الأولى متوافقة مع ما ذكر عن المدينة التي شغلته في الرموز المسمارية، كما أنه يوضح مراحل التوسع والتقلص في تاريخ المدينة، والتي أسفرت عنها نصوص مسمارية مهمة تلقي ضوءاً على تاريخ المنطقة. دورا أوربوس هي الصالحية حالياً على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وقدم المحاضر عرضاً لتاريخها القديم السابق للعصور الكلاسيكية من خلال النصوص المسمارية، أما عن العصور الكلاسيكية التي بلغت هذه المدينة دورة تطورها، فقد شرحت المكونات المعمارية فيها واقترانها بدورها الحضاري المعبر عن روح التسامح والتآلف من خلال تعدد الديانات والمعتقدات فيها، وقد قدمت مدينة - دورا أوربوس - مكتشفات من مواد نادرة، ما سلمت من الاندثار في مواقع أخرى، من قبيل تلك الأنسجة والمواد الجلدية، والسلال، فضلاً عن الفخار والزجاج والمصكوكات. هذه المكتشفات ومعها وثائق البردي، لها صلة بالشؤون المدنية والعسكرية، وتساعد على تقديم صورة عن الحياة في المدينة، وهي صورة تشير إلى تقاليد حضارية سورية أصيلة بقيت محافظة على قوتها. وأخيراً نشير إلى أن د. نائل حنون، دكتوراه في اللغة الأكادية وأدابها، ماجستير في آداب الكتابات المسمارية، عميد كلية الآداب جامعة القادسية أستاذ في قسم الآثار، كلية الآداب جامعة دمشق منذ عام 2004. ألف أكثر من أحد عشر مؤلفاً، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية. |
|