تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل الرواية في خطر؟

ملحق ثقافي
9/2/2010
فواز حداد

تُعنى غالبية الرواية اليوم في مجتمعاتنا العربية بالمظاهر العادية اليومية البسيطة، ليس على شاكلة الأخبار الخفيفة، بالعكس تذهب في مناحي مجتمعاتنا المهملة،

وتمتح مادتها من مضمار حياة أوسع، شقية تافهة وسقيمة: الشارع والسجن وقباحة الهامش ورثاثة العواطف وتهتك العلاقات الاجتماعية... وهوميدان فسيح يصبح ضيقاً حينما يكتفي بالبشاعة وتمجيد اللاأخلاقية ونشدان الفضيحة والاستهتار بالضمير وتكريس الصغائر.‏

وكي لا نغمط هذه الروايات حقها في العبور إلى الأدب، وهوالأحق في تقدير قيمتها من الإعلام الثقافي المهلل. نرى أنها خطت لنفسها طريقاً جريئاً في مواجهة الواقع، لكنها استعارت أساليب التعامل معه والتفكير فيه من الرواية الغربية الأكثر مبيعاً والتي لها علاقة بالاستهلاك والتنزيلات من الأنواع الموسوسة بالجنس العابر وشطط العلاقات الحميمة، وإماتة العواطف.‏

إن توفر الضحالة والبساطة في الرواية، ليسا إشارة سلبية، بل إيجابية ترفض التزمت والتعنت في النظر الروائي. لكن المشكلة تتمحور في أصحاب النصيب المتواضع من العمق، والذين يشعرون بالصغار، فيستنسخون موضوعاتهم من الآخر، وكأن هناك فاقة لدينا في المشكلات، فيكتبون على منوال ذلك السيل المتداعي من النسخ المتطابقة لقطاعات من الحياة، نسخ تتميز بأنها محلاة بلطخ جمالية مع تمحكات لغوية، ولامبالاة في تناول الحدث أوالمبالغة في الاسفاف كنوع من التظارف. وقد يضيف الكاتب بعض المشاكسات والغرائب، مانحاً قلمه حرية الذهاب إلى أقصى ما بوسعه «وفي الحقيقة لا يذهب بعيداً»، إذ إعجاب الغرب يملي عليه إدهاشه بطرائف شرقية، وليس تفكيك واقعنا وتعريته. وفي هذا التقليد يختلق أمثولة على نمط وسائل الاستنساخ الشاملة والمتقدمة في التلفزيون والسينما وما حققته من انتشار، لكن دون أن تحقق كمالاً، أوتؤدي إلى الارتقاء، بل انساقت إلى التكرار المتهافت.‏

ليس من قبيل العلم ولا التعالم، القول إن أمراض الغرب المعقدة تختلف عن أمراضنا المستفحلة، مثلما أزماتنا الروحية ومشاكلنا المادية تختلف عن مثيلاتها الغربية. إن عبقرية أي عمل فكري أوأدبي تتجلى في تلمس الفارق العميق والضئيل معاً بينهما، إذ نحن في عالم صغير، كل من فيه يؤثر ويتأثر، على ألا يبلغ تأثرنا بالآخر حدَّ التماهى معه، فنستعير مشاكله وإشكالاته، لمجرد أنها غربية، عدا أنها جاهزة ومتداولة، مطلوبة ورائجة، وربما ترضي غرورنا، إذ نعتقد أننا مثلهم، فنتساوى بهم وقد نزيد عنهم. ونكتب شيئاً هوأقرب إليهم، ونغفل عن أن رواياتهم تُجري عملية تأويل على الواقع، أي لا يشترط أن تكون صحيحة، وإنما مجرد اقتراب، أومحض افتراض.‏

لا تزيد في القول إن غاية الكاتب في هذا السباق مع أقرانه هوالغرب، فيكتب لحساب قراء غربيين، وإرضاء لأمزجتهم عن واقع عربي ليس حقيقياً، أويكتفي منه بالسطح والظاهر، في حين هذا الواقع الظاهر لا يعني الكثير بالمقارنة مع ما يختزنه في داخله من إشارات ودلائل، إذا كان الكاتب يخشى الاقتراب منه، أوكان غير مرئي له، ولم يدركه أويحس به، وربما لا يعبأ به، أوليست لديه القدرة على الخوض فيه. فلنقلها دون رياء ولا مجاملة، إن الرواية في خطر!!‏

إذا كانت الرواية تهدف إلى التصدي لحياة أعرض وأعمق، حياة تمسنا ونعاني منها، فينبغي وضع ما يحدث من متغيرات على المحك، بالنظر إلى عالم يزداد تشرذماً ورعباً، وتتفاقم فيه الفوارق، وتتحلل الضوابط، ففي هكذا عالم: الضد يستدعي ضده، فلا تكتفي الرواية بالوصف والاستعراض؛ بل تومئ وتتدخل وتندد وتسخر وتهجي... ليس ثمة أكثر مما يجري اليوم زيفاً وقذارة وإجراماً، فما بال الرواية في وقت تحتاج إلى رؤية تأبى الانصياع، إذا بها تركع أمام بريق الخارج، وتستسلم لأقدار جبرية برعت الدعاية في فرضها علينا؟! إن معاندتها، لا يعني أننا متفائلون، وإنما ألا نستعير الهدف الخطأ، مهما كان الصحيح مكلفاً.‏

اليوم، ينبغي أن يتغلب ضمير الروائي على ذكائه، وربما انتهازيته، فلا يقتدي بهذه الوسائل، وإدراك أن مكانة الإبداع لن تسمو، بل ستنحط ويغدوما ينتجه مجرد أعمال تقتفي أثر الآخرين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية