تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التنمية والتنوير علاج ظاهرة التطرف

إضاءات
الاثنين 23-12-2019
د. خلف المفتاح

إن تحليل ظاهرة التطرف بوصفها ظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية يشير إلى أنها لا تنشأ أو تعيش في فراغ،

فثمة عوامل كثيرة تقف وراء ذلك وصولاً لشكلها العنفي فالكراهية والحقد مسائل لها مغذياتها الفكرية والثقافية التي تنشأ عبر الخطاب المتطرف بمضامينه المتعددة والذي يدعو إلى الكراهية ورفض الآخر المختلف أياً كان شكل الاختلاف ولا شك أن الأيديولوجيات المتطرفة دينية كانت أم غير دينية لها جمهورها المستهدف وتستثمر في العواطف والرغبات وأحياناً في استدعاء صور ومواقف من الماضي بهدف تغذية الحقد والاستعداد العالي للقتل والإجرام، ما يساهم في إنتاج بيئة مولدة للعنف والإرهاب والقتل.‏

إن تحليل الظاهرة وقراءتها بشكل موضوعي يشير إلى جملة أسباب تقف وراء نشوئها، ولعل الحرية أي حرية التعبير وقبلها حرية التفكير الرأي والرأي الآخر وأحادية الخطاب الداعي للكراهية عوامل أساسية في نشوئها إذا ما ترافق ذلك مع تفشي الجهل والأمية والفقر والظلم والفساد وغياب الديمقراطية وحرية التعبير وغيرها من مظاهر الحرية فكلها عوامل تساعد في إيجاد بيئة مناسبة لنشوء واستفحال الظاهرة ولا شك أن الأيديولوجيات الدينية المتطرفة شكلت تاريخياً أكثر عوامل نشوء ظاهرة الإرهاب والعنف فالحروب الدينية التي شهدتها دول العالم كانت من أكثر الحروب قتلاً ودماراً واستمراراً.‏

مما تقدم يمكن القول إن ثقافة الكراهية ورفض الآخر والدعوة للقتل وشرعنة ذلك هي عناصر أساسية في تشكل الظاهرة ما يعني أن مكافحة الإرهاب ومحاربته يجب أن تبدأ من تجفيف منابعه الفكرية والثقافية ومغذياته الأيديولوجية وهذا يستدعي مراجعة كل الخطابات التي تدفع بذلك الاتجاه ومنعها وتوطين خطاب وثقافة المحبة وقبول الآخر المختلف انطلاقاً من مبدأ الإنسانية والتعاون والتناغم بين البشر على قاعدة المساواة في الخلق والحق في الاختلاف واحترام الآخر، وعلى المقلب الآخر لا بد من تجفيف منابع ثقافة الكراهية من خلال التنمية البشرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتوفير سبل العيش الكريم لأفراد المجتمع وتعزيز مبدأ الحرية وممارسته سلوكاً عبر الآليات المعهودة من المشاركة في الحياة السياسية بكل تجلياتها وصورها وتكريس مبدأ سيادة القانون وحقوق المواطنة المتساوية وصولاً لمحاربة كل مظاهر الفساد والاستبداد السياسي والاجتماعي والفكري وغيره من عناصر مغذية للتطرف والعنف.‏

وعلى المستوى الدولي لا بد من التركيز على برامج التنمية من تعليم وصحة وخدمات بدل شراء الأسلحة بحجة مكافحة الإرهاب ما ينعكس سلباً على خطط التنمية البشرية حيث تستنزف الموازنات على برامج التسلح بدل توظيفها في الرأسمال البشري، وعلى التوازي مع ذلك لا بد من تكريس مبدأ العدالة في العلاقات الدولية ومساعدة الدول الفقيرة بدعم خططها التنموية وجسر الهوة التقانية والمعرفية معها، وتمكينها من إرساء دعائم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي فيها والكف عن نهب ثرواتها أو دعم الأنظمة الفاسدة التي تمارس كل أشكال العسف والاستبداد في طريقة إدارتها للحكم والنظر للسلطة على أنها امتياز ومنافع لا وسيلة للنهوض بالمجتمعات وصولاً لدولة العدالة والرفاه والحماية.‏

إن اتباع سياسات استعمارية والنظرة الدونية لدول العالم الثالث وعشعشة حمى الاستعمار في وعي بعض ساسة الغرب ومراكز القرار فيه هي أحد أسباب ظاهرة التطرف والعداء للغرب أخذاً في الاعتبار أن الإرهاب والعنف جريمة لا أخلاقية لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال ولكن الحديث هنا هو عن الأسباب والظروف التي تساهم في نشوء الظاهرة الإرهابية والسلوك المتطرف.‏

إن تجفيف منابع الإرهاب يعني إغلاق مدخلاته أو التضييق عليها ما يؤدي بالنتيجة إلى تراجع مخرجاته العنفية وصولاً للقضاء عليها وهذا يحتاج لاستراتيجيات وطنية ودولية تتكامل وتتفاعل كي تصل إلى نتائج مرضية وعملية تنعكس على المستويين الوطني والعالمي وتساهم في الوصول إلى عالم ينعم بالأمن والاستقرار والعدالة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية