تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أربعة مرتكزات لحل القضية الفلسطينية

فورين أفيرز
ترجمة
الأربعاء 3-2-2010
ريما الرفاعي

دفعت السياسة الخارجية للرئيس باراك اوباما الكثير من التوقعات لدى شعوب الأرض، أكثر مما أحدثت من انفراجات استراتيجية.

ولعل ثلاث قضايا رئيسية شائكة تمثل التحدي الأكبر للرئيس اوباما وسياسته الخارجية وهي القضية الفلسطينية الاسرائيلية وطموحات ايران النووية والمسألة الباكستانية الأفغانية . ويمكن تقسيم سياسة اوباما الى مستويين يشمل الأول أهداف هذه السياسة وآلية صناعة القرار، والثاني يتعلق بالقدرة على تطبيقها في أرض الواقع. ومنذ توليه الرئاسة، بذل اوباما جهوداً طموحة لاعادة إظهار رؤية الولايات المتحدة للعالم ومن أجل إعادة ربط الولايات المتحدة مع السياق التاريخي للقرن الواحد والعشرين . ولعله نجح في أقل من عام، ولو بشكل جزئي ، بإعادة مفاهيم السياسة الخارجية للولايات المتحدة فيما يتعلق بعدة مسائل مركزية جيوسياسية هامة تتمثل في :‏

- الولايات المتحدة يمكن أن تكون راعياً نزيهاً عندما يتعلق الأمر بالسلام الشامل بين اسرائيل وفلسطين.‏

- الاسلام ليس عدواً.‏

الولايات المتحدة جاهزة لاجراء محادثات جادة مع ايران فيما يتعلق بالبرنامج النووي اضافة الى مواضيع أخرى.‏

- يمكن للمناطق التي تسيطر عليها طالبان والتي تجري فيها العمليات العسكرية أن تكون جزءاً من العملية السلمية.‏

- يجب على الولايات احترام تاريخ وثقافة امريكا اللاتينية وان توسع علاقاتها مع كوبا.‏

- يمكن للولايات المتحدة تخفيف ترسانتها النووية والانضمام الى عالم خال من الاسلحة النووية.‏

- يجب ان تعامل الصين ليس كشريك اقتصادي فقط بل شريك جيوسياسي‏

- تحسين العلاقات الاميركية الروسية.‏

كل هذه الأسباب تعكس نظرته الشاملة والاستراتيجية للعالم ما أهله لنيل جائزة نوبل للسلام.‏

ولكن التحدي العاجل الأول هو بالطبع عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين . وقد اعلن اوباما أنه سيطرح مبادرة في هذا الشأن على أمل التوصل الى تسوية في المستقبل القريب، وهو ما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الوطنية. فالنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني دام طويلا وتركه بهذا الشكل كان له تأثيرات سلبية على الفلسطينيين والمنطقة والولايات المتحدة، وبالتأكيد ألحق الأذى باسرائيل نفسها. بالطبع ليس من العادة قول هذا الكلام، ولكن هذا الملف هو السبب في العداء الحالي تجاه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي بأسره. وولد هذا العداء جراء حمام الدم والمعاناة التي يكابدها الفلسطينيون . ولعل اسامة بن لادن واحداث ايلول تذكر الولايات المتحدة بأنها نفسها يمكن أن تكون ضحية للمشكلة الفلسطينية الاسرائيلية.‏

وبعد أكثر من 40 عاما على احتلال اسرائيل للضفة الغربية و20 عاماً على انطلاق مفاوضات السلام، يبدو جليا أن الفلسطينيين والاسرائيليين لن يحلوا المشكلة من تلقاء أنفسهم وذلك لعدة اسباب. فالفلسطينيون منقسمون ، وضعفاء لاتخاذ قرارات حاسمة تدفع عملية السلام قدما.‏

والحال نفسه بالنسبة للاسرائيليين والذي هم منقسمون أيضاً، لكنهم اقوياء ونتيجة لذلك تعوق قوتهم اقدامهم على السلام. لذا ، حري بالولايات المتحدة تعريف معايير التسوية النهائية ، وحمل الطرفين على بدء المفاوضات.‏

ولكن الخطوات الأميركية لم تعبد الطريق بعد أمام بدء مفاوضات حل النزاع ، وهي أولوية مصالح الولايات المتحدة. فالادارة الأميركية اقترحت تجميد الاستيطان في ربيع 2009، ولكنها تراجعت أمام رفض الحكومة الاسرائيلية. فعززت قوة المتشددين في اسرائيل، وأضعفت المعتدلين الفلسطينيين. وبدد اوباما تأييد مجلس الأمن والجمعية العمومية في أيلول الماضي، للولايات المتحدة في صياغة معايير التسوية النهائية. واكتفى الرئيس الأميركي بدعوة الاسرائيليين والفلسطينيين الى الاقدام على خطوات من قبيل اظهار حسن النية.‏

إن الاجماع الدولي على اولوية حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يعبد الطريق أمام مفاوضات جدية تستند إلى أربع نقاط هي:‏

- حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب ألا يشمل عودتهم إلى ما يسمى حالياً اسرائيل لأنه ليس بوسع أحد مطالبة اسرائيل بالانتحار. ويجب اعادتهم إلى الدولة الفلسطينية، المزمع اقامتها، وليس إلى اسرائيل ، مع دفع تعويضات للاجئين العائدين إلى الدولة الفلسطينية، ويتم الاعتذار عن معاناتهم. ان هذا الأمر صعب هضمه على الحركة الوطنية الفلسطينية ولكن ليس هناك بديل والمؤسف أن الولايات المتحدة قد خسرت الثقة التي عادت لها في العالم العربي مع قدوم اوباما والخطاب الذي ألقاه في القاهرة.‏

- والنقطة الثانية هي ضرورة اقتسام القدس وتقسيمها إلى عاصمتين ، الاولى اسرائيلية في القدس الغربية، والثانية فلسطينية في القدس الشرقية . وتقاسم البلدة القديمة مع بعض الترتيبات الدولية.‏

والمجتمع الدولي مدعو إلى رعاية هذا التقسيم . واذا لم تكن القدس على هذا الشكل جزءاً من التسوية، ستلقى أي تسوية رفضاً قاطعاً من جانب الفلسطينيين . ربما من الصعب على الاسرائيليين قبول ذلك، لكن السلام يكاد أن يكون مستحيلاً من غير أن تقبل اسرائيل التنازل على هذا النحو.‏

- والثالثة، ضرورة استناد التسوية على حدود 1967، ومقايضة أراض بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني ، ما يسمح بضم المستوطنات الكبيرة الى اسرائيل لقاء التنازل عن اراض أخرى ولكن دون أن تتقلص مساحة الدولة الفلسطينية . من الضروري التذكير بأنه بالرغم من أن الفلسطينيين والاسرائيليين متساوون عددياً إلا أنه بموجب خط 1967 تمثل الاراضي الفلسطينية 22٪ من الانتداب البريطاني القديم، بينما يعود 78٪ للاسرائيليين .‏

- الرابعة، يجب التزام الولايات المتحدة وحلف الناتو ارسال قوات للمرابطة على امتداد نهر الاردن. ومثل هذا الاجراء يعزز أمن اسرائيل ويوفر لها عمقاً استراتيجياً ، ويطمئن المخاوف الاسرائيلية من عدم شن العرب هجوماً كبيراً عليها انطلاقاً من الدولة الفلسطينية.‏

لو أن اوباما قدم مثل هذه العناصر ضمن خطة سلام شاملة عندما خاطب الامم المتحدة في ايلول لكان حصل على دعم قوي من كلا الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على حد سواء. وبالطبع لكان نال دعماً عالمياً . وبفشله في تبني هذه الخطة ، اضاع فرصة ذهبية خاصة ان حل الدولتين بدأ يفقد مصداقيته كصيغة قابلة للتطبيق ، وفي ضوء حقيقة ان الولايات المتحدة بدأت تخسر الثقة العائدة لها في العالم العربي.‏

والحق أن الاشهر القادمة دقيقة. فالوقت المتبقي للاقدام على خطوات حاسمة ينفد بينما يتراجع تأييد حل الدولتين. والى اليوم، لم يظهر فريق اوباما مهارات تكتيكية سياسية في معالجة النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي ولم يبد حزماً استراتيجياً للمضي قدماً في عملية السلام.‏

 بقلم : زبغينيو بريجنسكي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية