تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوديب طليقاً من سجن فرويد

كتب
الأربعاء 3-2-2010
يمن سليمان عباس

بعد آلاف السنين هل يستعيد أوديب كرامته ويصبح حراً طليقاً أم تراه ظلماً حديثاً وقع عليه أوديب الملك، أوديب الابن التائه والضائع بل لنقل المرمي خارج مملكة أبيه لئلا تتحقق النبوءة.

الأسطورة معروفة لدى الجميع خلاصتها أن لامفر من القدر يعود أوديب ليفك اللغز ويدخل المدينة ويقتل أباه ويتزوج أمه ومابين هذه التفاصيل.‏

أوديب صار عقدة في علم النفس مفادها بأن كل طفل ذكر يحمل رغبة دفينة في قتل أبيه والاتجاه نحو الأم، هكذا حلل الأمر فرويد واستمر طويلاً ترى هل يستعيد أوديب كرامته ويحطم قيود فرويد وهي على مايبدو غير مبنية على أساس متين.‏

هذا مايحاول كتاب أوديب وأساطيره العمل عليه.‏

الكتاب من تأليف جان بيار فرنان وبيار فيدال ناكيه وقد صدرت ترجمته العربية عن المنظمة العربية في بيروت ترجمة سميرة ريشة.‏

لأوديب مأساة الإنسان‏

ترى المترجمة في مقدمتها أن شخصية أوديب الإسطورية اكتسبت على مر الزمن بعداً إنسانياً يفوق كل تصورحتى لتطالعنا في كل الحضارات تقريباً قصة أو أغنية تحكي عن ولادة مشؤومة وتعرض للموت يسفر عن نجاة غير متوقعة وإصابة بعاهة جسدية تقترن بالتفوق والطغيان وانقلاب مفاجئ ونهاية مأساوية، ولايزال أوديب في تعقده والتباسه يلهم في أيامنا كثيرين من أدباء ومفكرين وسينمائيين فمنهم من يرى فيه رمز الإنسان الباحث عن حقيقته والساعي إلى تخطي ذاته وتذليل القدر ومنهم من يعتبره نموذج الإنسان العارف الذي أدرك مرحلة الوعي الذاتي المستقل ومنهم من على نقيض ذلك يتخذه شاهداً على قصور المعرفة والإرادة البشريتين لكن أوديب يبقى في كل ما قيل ويقال رمز الإنسان المترجح أبداً على الحدود الفاصلة بين عالمين، والذي كما ازدادت معرفته عظمت تعاسته.‏

أوديب بلا عقدة‏

يقول المؤلفان أصدر فرويد عام 1900 كتابه تفسير الأحلام حيث أتى لأول مرة إلى ذكر أسطورة أوديب الإغريقية وكانت خبرته الطبية قد قادته إلى أن يرى في حب الطفل أحد والديه وكرهه الآخر عقدة النزوات النفسية إلى أن تقرر لاحقاً ظهور العصابات كماتبين له من جهة أخرى أن الانجذاب والعداء الطفليين تجاه الأم أو الأب يظهران لدى الأشخاص الطبيعيين ظهورهما وإن بحدة أقل لدى المرضى العصبيين.‏

هذا الاكتشاف الذي بدا له قابلاً للتطبيق على الجميع، يجد- برأيي فرويد- إثباته في إسطورة تناهت إلينا من غياهب العصور الكلاسيكية القديمة، هي إسطورة أوديب التي اتخذ منها سوفو كليس موضوعاً لعمل تراجيدي بعنوان أوديب الملك ولكن كيف لأثر أدبي ينتمي إلى ثقافة أثينية تعود إلى القرن الخامس ق.م وينقل بتصرف إسطورة طيبية سابقة له ولنظام المدينة بزمن طويل أن يؤكد ملاحظات كونها طبيباً يعيش في بداية القرن العشرين نتيجة معاينته وفود المرضى المترددين إلى عيادته؟ لاداعي في نظر فرويد للإجابة عن هذا السؤال الذي ماكان يجب أن يطرح أصلاً إذا لايبدو أن فهم الإسطورة والدراما الإغريقيين يطرح في نظره مشكلة أو يوجب اعتماد أي نهج تحليلي مختص.‏

إن استجابتهما للقراءة الفورية وانقشاعهما لفكر الطبيب النفساني في زعمه يجعلهما تفصحان للتوّ عن دلالة هي من الجلاء بحيث تكفي وحدها لإكساب نظريات الطبيب السريري النفسانية ضمانة مطلقة.‏

ولكن أين يقع ذلك المعنى الذي ينكشف بمثل هذه المباشرة لفرويد وكافة المحللين النفسيين من بعده أو تكون قد أعطيت لهؤلاء التيريز ياسيين الجدد موهبة الرؤية المزدوجة كي يدركوا وراء أشكال التعبير الإسطورية والأدبية حقيقة تخفى على الإنسان الدينوي؟ لا، ليس هذا هو المعنى الذي ينشده المؤرخ والمتخصص في الدراسات الهلينية، بل ذاك المعنى الحاضر في النص والمتضمن في بناه معنى يقتضي إعادة تكوينه بجهد من خلال دراسة تشمل جميع مستويات المرسلة التي يتألف منها النص، رواية إسطورية كانت أم قصة تراجيدية.‏

يعطى المعنى المذكور من خلال ردود فعل الجمهور العفوية وما يولده المشهد المسرحي في نفسه من انفعالات وقد كان فرويد الأوضح بشأن هذه النقطة بالذات، حيث رأى في نجاح تراجيديا أوديب الملك الثابت والشامل دليلاً على شيء آخر لايقل عنه شمولاً ألا وهو وجود منظومة ميول داخل النفس الطفلية شبيهة بتلك التي قادت البطل نحو الهلاك وإذا كانت تراجيديا أوديب الملك تثير فينا اليوم من المشاعر بقدر ماكانت تثيره لدى المواطنين الأثينيين بالأمس فما ذلك لأنها كما كان الرأي السائد حتى ذلك الحين تجسد تراجيديا القدر المحتوم بوضعها إرادة البشر الضعيفة في مواجهة الجبروت الإلهي بل لأن مصير أوديب هوإلى حد مامصيرنا، ولأننا في قرارة نفوسنا نحمل اللعنة التي لفظتها وسيطة الوحي ضده.‏

لقد حقق أوديب بقتله أباه وزواجه بأمه رغبة طفولتنا التي نعمل لنسيانها جاهدين.. ولما كانت التراجيديا تكشف لنا ذواتنا برفعها الغطاء الذي يحجب عن أوديب وجهه الملطخ بجريمتي قتل الأب والسفاح، فقد أمكن القول إنها أشبه بعملية التحليل النفسي في كل وجه، إن التراجيديا تستمد مادتها من الأحلام التي راودت كلاً منا، في مرحلة ما، لذا كانت تفصح عن معناها بوضوح باهر من خلال مشاعر الهلع والذنب التي يولدها فينا التطور الدرامي المحتوم حيث تعاود رغبتنا القديمة في موت الأب والزواج بالأم صعودها إلى وعينا الذي كان طوال ذلك الوقت يتظاهر بأنه لم يختبرها يوماً.‏

- هل يصبح طليقاً؟‏

ربما كان من باب المصادفة وحدها أن هذا الكتاب قد صدر باللغة العربية والعالم يعيد النظر فيما قدمه فرويد من خلال تفسيره العالم جنسياً وإذا كان أوديب الأسطورة قد ترسخ في أذهاننا كلوثة أخلاقية خلال فترة ليست قصيرة فمن تراه يستطيع أن يعيد صياغة هذه الصورة أهذا الكتاب هو بداية الطريق؟ - ربما.‏

أوديب وأساطيره - المنظمة العربية للترجمة 2009.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية