تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العالم في ميزان أمين معلوف

كتب
الأربعاء 3-2-2010
هند بوظو

(أنا لاأزال مفتوناً بالمغامرة البشرية، رغم أسباب غيظي وقلقي، فأنا أحب هذه المغامرة، وأقدسها ولست مستعداً لمبادلتها بحياة الملائكة أو البهائم مهما كان الثمن،

نحن أبناء بروميثيوس المؤتمنون على الخلق والمكملون له فوق رؤوسنا خالق أسمى، فإننا أهل لافتخاره كما لغضبه.‏

فرغم حالات الجزع اللاعقلانية التي رافقت الانتقال من ألفية إلى أخرى إلا أن أمين معلوف في أطروحته /اختلال العالم/ يرسم ضوءاً في آخر النفق وعبارته التي سقتها في البداية ربما ليست صدى لكل ماجاء في كتابه إلا أنه انتزع أملاً مشروطاً سنأتي إليه لاحقاً).‏

«يبدو أننا دخلنا هذا القرن الجديد بلا بوصلة» بهذا القلق يبدأ الكاتب والروائي اللبناني أمين معلوف كتابه اختلال العالم مستكملاً به كتابه السابق الهويات القاتلة الذي أصبح مادة تدرس في العديد من جامعات العالم ليستعرض معلوف بصورة مختصرة ولكن بناءة أهم الأحداث التي صاحبت القرن العشرين، وآثارها على قرننا الحادي والعشرين.‏

يعتبر معلوف أن أسباب الانهيارات المالية والحضارية والثقافية والبيئة وكذلك أسباب الأزمة المالية ويقف وراءها إطلاق الرأسمالية التي خرجت بلا ضابط واختارت المنافسة نهجاً فأحدثت بذلك كوارث وانهيارات لمصارف كبرى، عبر مضاربات من قبل أرباب المال الذين يجهلون الاقتصاد السياسي وغير مبالين إلا بمصالحهم فحين تتصرف المؤسسات المالية بهذه الطريقة العبثية غير الاكتراثية، وحين يتم سحق اقتصاد أعوام طويلة من الكد ببضع ثوان لايفهمها حتى المصرفيون أنفسم نكون أمام خلل تتخطى نتائجه الميدان المالي والاقتصادي ويصبح أزمة أخلاقية لاسبيل للخروج منها إلا بتبني سلم قيم جديد تمنح فيه الثقافة والتعليم دوراً رائداً لقدرة أربابهما على توفير وسائل فكرية وأخلاقية تساعدنا على الخروج من أزمتنا الخطيرة.‏

يطرح معلوف سؤالاً في غاية الأهمية هل البشرية بلغت عتبة الإفلاس الأخلاقي؟‏

وبالتالي يسعى، الكاتب إلى فهم أسباب بلوغنا هذا الدرك وكيفية الخروج منه، إن اختلال العالم في نظره مرتبط بحالة الإنهاك المتزامنة للحضارات جميعها ، وخاصة المجموعتين الثقافيتين اللتين يدعي العالم نفسه الانتماء إليهما ألا وهما الغرب والعالم العربي، أكثر من ارتباطه بـ حرب الحضارات الأولى تعتريها قلة وفائها لقيمها الخاصة أما الثانية فواقعة في شرنقة مأزقها التاريخي.‏

فغالباً ما اقترف الغرب أخطاء كبيرة بحق الشعوب التي كان يمسك بزمامها، وقد أثبت أنه عاجز عن أن يطبق على الشعوب الأخرى المبادىء التي يطبقها على شعوبه هو والتي صنعت له عظمته، فلم يكن في وسع العصر الاستعماري، أن يقيم سوى علاقات غير سلمية بين المسيطرين والخاضعين. نظراً إلى أن الرغبة الساذجة بـ تمدين الآخر كانت في نزاع دائم مع وقاحة وإرادة استعباده.‏

ومع ذلك فالعصر الراهن يتيح للغرب فرصة ترميم صدقيته المعنوية باحترام الديمقراطية وحقوق الانسان وأن يحرص على أن يكون منصفاً في علاقاته مع باقي الكرة... وألايكون غرباً انتهازياً انتقائياً يعمل على تحقيق مصالحه.‏

وبالمقابل فإن الشعوب التي ليس حاضرها مصنوعاً إلا من إخفاقات تبحث في ماضيها عن أسباب للاستمرار في إيمانها بنفسها، فالعرب يشعرون أنهم منفيون في عالم اليوم، غرباء في كل مكان،لهذا علينا أن نسأل دائماً بماذا يجب علينا أن نحتفظ من ماضينا حتى لايكون مجرد مأزق تاريخي وماذا يجب أن ننبذ منه كي نتمكن من الاندماج في العالم الحديث دون أن نفقد كرامتنا؟‏

هذا سؤال لايبرح أبداً وجدان كل مجتمع بشري لكنه لايطرح بدرجة واحدة من الحدة في كل مكان... فحين تحرز أمة ما نجاحات تتغير نظرة الآخرين، وتؤثر في رؤيتها لذاتها... اليابان ... الصين... هذان البلدان اللذان يتعرضان للانتقاد واللذان يخشى جانبهما، لكنهما يتمتعان بالاحترام نظراً لقدرتهما على القتال، وينتزعان الإعجاب بمعجزاتهما الاقتصادية ، باتا يشهدان تزايد الاعتبار لكل مكونات ثقافتيهما.‏

هذه هي العبارة الأكثر زخماً والتي استوقفتني في «اختلال العالم» ولانملك إلا أن نتفاءل كما أمين معلوف «إن من واجبنا جميعاً أن نساهم في مشروع الانقاذ بحكمة وصفاء ذهن ولكن بحمية وبغضب بعض الأحيان أيضاً أجل، بالغضب المتوهج، غضب الأبرار».‏

الكتاب: اختلال العالم - الكاتب: أمين معلوف - ترجمة: ميشال كرم - صادر عن دار الفارابي 2009 في 314 صفحة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية