تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«بيـــت الحكمــــة» .. الهارمونـــي بـــين الدرامـــا والاســـتعراض

الدوحة
فنون
الأربعاء 3-2-2010
فؤاد مسعد

برفقة الموسيقا المصحوبة بصوت دقات الساعة انطلق المشهد الأول من (بيت الحكمة) فأتت حركة الراقصين المتسللين (إلى الوراء) مُعبرة عن عودة الزمن إلى عمق التاريخ ..

وترافقت فكرة عودة الزمن مع حدث اكتشاف الساعة المشهد الذي تم التعبير عنه عبر أكثر من تشكيل بصري ، ومع عودة عقارب الساعة إلى الوراء عدنا إلى زمن الخليفة هارون الرشيد وابنه الخليفة عبد الله المأمون لنعيش زمن النشوة بماضٍ سُطِّر بالعلم والمعرفة ولتُثار الكثير من المقولات التي تندرج ضمن إطار ارتباط الحاضر والمستقبل بالماضي ..‏‏

‏‏

بهذه المقدمة الاستعراضية المفعمة بالدلالة انطلق عرض (بيت الحكمة) الذي مزج بين الدرامي والاستعراضي ليكون عرض افتتاح (الدوحة عاصمة للثقافة العربية عام 2010) ، طارحاً منذ مشاهده الأولى عظمة العلم والحال التي كان عليها أجدادنا فتم عرض عدد من منجزات تلك المرحلة في العلوم والجغرافيا والفلك .. حيث عبد الله المأمون (الفنان غسان مسعود) يستعرض بشكل سلس لوالده هارون الرشيد (الفنان عبد المنعم عمايري) ما تم تحقيقه في عالم المعرفة وليعكس بالوقت ذاته ما شهده العرب من نهضة علمية وثقافية سطع نورها في أصقاع الدنيا ، فعرض بعض ما تحقق في تلك الحقبة كصورة الأرض التي وصِفت أنها الأدق مما وضِع قبلها (الخارطة المأمونية) ، إضافة لما وصلوا إليه في علم الفلك ، الترجمات ، الساعة المائية التي عرّفت بقيمة الزمن والتي تعامل معها الغرب بهمجية عندما أهداها الرشيد لملك الروم شارلمان في مشهد يجسد الهوّة بين تقدم الشرق وتخلف الغرب آنذاك .‏‏

‏‏

قدم العرض الذي ضم شقين متجانسين متداخلين بإيقاع فيه هارموني عالي المستوى كل من فرقة إنانا التي أدت اللوحات التعبيرية وعدد من الممثلين الذين قدموا الجانب الدرامي بأداء تمثيلي حركي ، فعكست اللوحات الاستعراضية والمشاهد الدرامية مدى الانسجام في آلية العمل بين المبدعين المخرج جهاد سعد والمشرف العام جهاد مفلح (مدير فرقة إنانا) ، خاصة أنه نادراً ما نجد أن الزمن الذي يحتله الشق الدرامي يوازي أو يقارب الزمن الذي يحتله الشق الاستعراضي كما هو الحال في (بيت الحكمة) ، حتى بدا أن هناك حالة من التعشيق بين الأداء التمثيلي الحركي الرقص التعبيري ، فكان هناك ما قارب (90) راقصاً و (20) ممثلاً التحموا في عمل واحد . كما أنها المرة الأولى في تاريخها التي تقدم فيها فرقة إنانا عرضاً بطريقة حيّة مباشرة وهي التي اعتادت طريقة (البلاي باك) . وفيما يتعلق بالموسيقا فقُدِم فيها أكثر من لون وبمناسبة (افتتاح الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010) حملت بعض اللوحات نبض التراث والموسيقا الخليجية إلا أنها جاءت من ضمن نسيج العرض منصهرة فيه ، وقد حاكت الموسيقا بشكل عام روح العصر دون أن تؤثر على الفترة الزمنية التي يتم الحديث عنها .‏‏

حالة الانسجام والهارموني التي تحققت في العرض لم تقتصر على الرقص التعبيري والأداء التمثيلي وإنما تعدتها إلى العناصر الأخرى خاصة فيما يتعلق بالمشاهد السينمائية التي عرضت على الشاشة والتي شكلت امتداداً للحدث الذي يجري على الخشبة وتم توظيفها بسلاسة ونجاح فكانت تارة تمهد للمشهد وتارة أخرى تعمّقه وتعطيه قوة دفع فيها جرعة عالية من المصداقية ، فبعد مشهد عرس المأمون جاء مباشرة مشهد موت الخليفة هارون الرشيد الذي قدمه المخرج ببراعة وشفافية عالية ، ففي حين ظهر الخليفة بثيابه البيضاء على منصة عاليةمن المسرح وكأنه يرقب ولده ظهر على الشاشة بثيابه البيضاء ذاتها يسير في الصحراء كأنما روحه ترفرف على المكان وهي حاضرة ترصد ما سينجزه المأمون وتسلمه مقاليد الخلافة لننتقل إلى عالم وهموم الخليفة الجديد فنتابع معه ما يتم إنجازه من ترجمات وكتابات وكيف كان يمنح وزن الكتاب ذهباً ، وفي لوحة أخرى نراه وقد ذهب إلى بغداد حين عرف ما يتنازع الناس من هواجس فيها ، فعمد إلى إحلال العدل ومن ثم أعلن إنشاء (بيت الحكمة) الذي أصبح مركز إشعاع حضاري للعالم بأسره ، وعبر كل مشهد هناك دلالة تعبر عنه فمشهد الشموع تنير الدروب المظلمة حالها حال المعرفة التي تنير الطريق لطالبها ، وفي مشهد استعراضي معبّر تحدث الحرب مع الروم بالاشتراك بين الخشبة وشاشة العرض ليعطي المخرج إيحاء بضخامة المعركة ومع دخول الجنود العرب والرومان إلى الميدان على الخشبة يتعاظم إحساس الرهبة من الحرب التي تنتهي بانتصار المأمون ، وينجز في النهاية المهمة الكبرى في تشييد بيت الحكمة وكتابة اسمه إيذاناً بافتتاحه رسميا ، قائلاً : (افتحوا الباب لأفكار الدنيا ، نريد للمعرفة أن تنير عقول الناس فتنجيهم) .‏‏

في الختام عرض فيلم قصير يعكس المكانة العلمية والثقافية التي وصلت اليها قطر عاصمة الثقافة العربية لعام 2010وجاء الفيلم وكأنه من نسيج العرض من خلال الموسيقا والاغنية المرافقة التي ربطت بينه وبين العمل المسرحي.‏‏

***‏‏

بطاقـــة العـــرض :‏‏

المشرف العام ومدير (إنانا) : جهاد مفلح‏‏

إخراج : جهاد سعد‏‏

المؤلف الموسيقي : محمد هباش‏‏

كاتب النص والحوار : محمد ياسر الأيوبي‏‏

أشعار : علي الرواحي‏‏

مستشار درامي : حمد الرميحي‏‏

المادة العلمية والتاريخية : محمد قجة‏‏

مصصمة اللوحات التعبيرية : ألبينا بيلوفا‏‏

مصمم ديكور : سمير أبو زينه‏‏

مصممة أزياء : فيكتوريا الطنجي‏‏

مصمم الإضاءة : سهيل جبري‏‏

مصممة المكياج : ضياء الأشقر / نتاليا الطويل‏‏

مدير علاقات عامة : معتز أفغاني‏‏

أداء اللوحات التعبيرية : فرقة إنانا‏‏

الممثلون : غسان مسعود ، عبد المنعم عمايري ، ميسون أبو أسعد ، جلال شموط ، زياد سعد ، رامز الأسود ، سلمان المري ، نوار بلبل ، إياد أبو الشامات ، غزوان الصفدي ، فهد الباكر ، أحمد الفضالة ، حسام الشاه ، أدهم مرشد ، بسام داود، ميساء عيسى ، ابراهيم كيفو ، ابراهيم البشري ، راشد يوسف الشيب ..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية