تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصائد في الحب

ملحق ثقافي
20/ 3 / 2012م
حكمت هلال :لم يخطر في بالي يوماً بأن عيد الحب هذا هو من أصل سوري، وهو العيد الذي يحتفل به العالم كل عام، إلاّ عندما قرأت كتاب «أراك» للأستاذ الكاتب سمير طحان،

وهو عيد القديس «فالنتين» أو يوم العشاق، وكان اسمه القديم «عيد الشعلة»، إذ إن النفس تظل في ظلمة إلى أن ينيرها الحب، والذي يحمل شعلة الحب هذه هو طير نوراني لا يُرى ولا يُصاد، واسمه «القرندش»، والقرندش هو أبو إيروس إله الحب الإغريقي.‏

وقرندش كلمة سورية رافدينية فينيقية سومرية، وتعني الذي يقرن أي: يجمع. وتتألف من فعل «قرن» و»ده». وهناك مثل قديم تردده أمهاتنا: «أيش بك عم تخفق مثل القرندش؟!». ويقول العلاّمة خير الدين الأسدي في موسوعته: القرندش طائر وهمي يزعمون أنه يعلو في الجو ويدعو: «الله يجيب الولف لولفه».‏

وتقوم الطقوس الاحتفالية بعيد الحب على إعطاء الحب للمحرومين منه كما يقول المؤلف، وترى في كتاب «أراك» قصة: «مجراوية أبجدية الحب» المؤلف سمير طحان يتحدث فيها فيقول: «يخطئ من يقول: إن الحب بالقلب. والحب عقل، وكل الكون يخضع لنظام الحب، والحب ينظمه العقل. ويصدر عن وعي وإدراك وفهم لشخصية المحبوب من كافة نواحيها.‏

وننتقل إلى قصائد المؤلف النثرية التي تشبه الأغاني الشعبية؛ وذلك حين يقول:‏

إهمالك أذبل جمالي؟‏

أم ذبول جمالي سبب إهمالك‏

أنا لا أسألك بل أسأل حالي‏

ويقول في موضع آخر:‏

أراك سطر مغلوط‏

في نسيج مخطوط‏

لا أقوى على فكه‏

وقد انتهيت من حبكه‏

وفي مجراوية الحب الإضرابي يقول:‏

وبما أن الرغبة استقلالية وحفاظ على الشخصية، والحب تبعية وهدر للذاتية، وطالما الرغبة قد تنقلب إلى رفض، والمحبة إلى بغض، يعني ما دامت قطعة النقد قد تنقلب وينقلب الود إلى صد، فسيبقى يضرب عن الحب إلى آخر حد، يعني: سيظل يرغب ولا يحب.‏

وينتقل إلى مجراوية الحب الطائش فيقول على لسان فتاة طائشة غير مبالية:‏

قلت: أنا طايشة وهيك عايشة، يهمني الجود والموجود، وعندي الأخلاق انطلاق لا انغلاق، الفضائل هي كل ما يساعد على حل المشاكل، تلقائيتي هي فلسفتي، وعفويتي هي حكمتي، وطياشتي هي شهادتي وهي مدرستي.‏

أما مجراوية حب الكسر فيتكلم فيها عن امرأة مات زوجها «بالسفربلك» وظنت أنه استشهد، فتزوجت من رجل اسمه جرجي، لكن زوجها الأول عاد وطالب بزوجته وطلب منها أن تعود إليه، وشكا أمره إلى الكنيسة، ولكن الزوجة رفضت أن تعود إليه وقالت: ألف قرار بخيط، ما بترك جرجي ولو هديتُو فوقنا البيت.‏

ومرض جرجي وأشرف على الموت، وجابوا له الخوري ليمشحه، ولما دخل أبونا ورأى الزوجة قال: قومي اطلعي برا يا زانية. فرد عليه جرجي: تفضل انت برا، لأن جهنم مع الحبيبة سما، وسما بلا حبيبة جهنم.‏

وينتقل الأديب سمير طحان إلى الشعر بقوله:‏

أراك شيئاً مفقوداً‏

ولا أحد يبحث عنه‏

أراك شيئاً موجوداً‏

ولا فائدة منه‏

أمام هذه الحدود‏

ألا يتساوى المفقود والموجود؟‏

وفي كتاب «أراك» مجراوية شعرية تتألف من خمسة وسبعين مقطعاً، تعرض بعض مجريات عاصفة عاطفية بين حبيبين تتخللها ست عشرة مجراوية نثرية، وهي ذات أسلوب أدبي شعبي، شعري أو نثري متميز، وفي الكتاب أيضاً دراسة جادة عن الحب السوري «القرندش» أو عيد «فالنتين» كما يسميه الغرب.‏

لم يكن سمير طحان شاعراً أو ناثراً أو قصاصًا فحسب؛ إنما هو فنان متعدد المواهب والاتجاهات، كما أنه مؤلف مسرحي، وله اهتمامات بالأغاني الشعبية، والقصيدة النثرية، والأغنية العميقة المعبّرة، تشعر وأنت تقرأ كتابه «أراك» بأنك أسير عالم جميل، تظن أنك في حلم، فهنا الأزهار والورود، والشجر والبحر، والأرض والسماء، وضوء القمر، وحفيف أوراق الأشجار، وخرير المياه في الأنهار، والينابيع والوديان، والنساء العاشقات، والحب والجنس، كما تتخلل قصائده النثرية أغاني الحب، حيث الألم العظيم الذي يمر كالريح ليترك صورة مضيئة في جحيم القلب.‏

«أرى الجنس علاوة على حلاوة القلب، وعلى ما يمنح من صفاء وهناء. روحان في جسد واحد، جوهر واعد، بأن تغدو والدة ووالد».‏

فالحب يسيطر على أغلب قصائده، فتتفتح أزهار الليمون والسنابل. والحب حقل تحل فيه فترات محل وقحل لكن الخصب دوماً باق من الحب، وعلينا الاستمرار، رغم عدم الاستقرار.‏

فهو يحلم بالحب والاخضرار الدائم، فكاتبه «أراك» متسع متشعب متعدد المواضيع، غير أن هذه اللغة البسيطة المتمكنة المحبوكة بشكل جيد في بناء القصيدة في كتابه «أراك» تصل إلى مرحلة متقدمة في قوة التعبير وبلاغة الإيجاز، وبخاصة في الشعر العالمي المعاصر، والشعر الجديد في الوطن العربي.‏

وقصائده النثرية الشعبية مليئة بالتجربة والمعاناة من أجل المرأة والعالم المتحضر المتميز، فهو صاحب إحساس أدبي مرهف، وقلم جريء ينفذ إلى عمق الظاهرة، ولغته ترسم في دقة تصويرها وبساطة خطوطها لوحة فنية جميلة متألقة تخطف الأبصار وتأسر القلوب.‏

هذا هو الكاتب المبدع سمير طحان الذي تغلب على عجزه وضعفه، وواجه قدره برأس مرفوع وإرادة صلبة، فكان المؤمن أن غياب عضو من الجسد لا يهلك الجسد، فخرج من سجنه «العلائي»، وفتح جدرانه لرياح الفكر، وخاض معركة الإبداع، وفتح صدره الرحب ليتسع لزفرات الآخرين، وغدا صخرة صلبة تتكسر عليها أمواج الحزن والأسى، وتحول إلى شمعة تحترق لتنير فضاء التائهين، وتهدي الضائعين والمحرومين، ليصلوا إلى بر الأمان بعزيمة وثبات.‏

الكتاب: أراك‏

الكاتب: سمير الطحان‏

الناشر: دار كنعان، دمشق‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية