تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأديب الإلكتروني

ملحق ثقافي
20/ 3 / 2012م
د. محمد ياسر شرف

واحدة من أهمّ نتائج تكنولوجيا المعلومات تتمثل فيما استطاع العاملون في برمجة الكمبيوتر من تحقيقه في مجال اختصار الوقت وأداء الأعمال الجيدة وخفض الكلفة المالية معاً.

فقد أصبح على سبيل المثال في إمكان كمبيوتر متخصّص في «الهندسة» أن يقدم لأي متعامل بأجر محدّد وزهيد نسبياً مجموعةً من المخططات لبناء منزل أو مكتب أو جسر أو تنظيم حديقة أو موقف سيارات وغير هذه، خلال وقت يقاس بالدقائق، بعد أن كان المهندس يحتاج إلى أيام متعدّدة لإنجاز العمل نفسه.‏

وقد أدى هذا إلى توقف آلاف المكاتب الهندسية الصغيرة في عديد من الدول المتقدمة عن العمل، ولأنّ قلبي انصبّ على الكتّاب والمؤلفين في بلادنا العربية استقصيت عن جانب من مستقبلهم؛ ولكم كانت هذه الخطوة غير مطمئنة تماماً. فقد علمت أنّ هناك برنامجاً مستخدماً منذ سنوات في اللغة الإنجليزية يمكنه أن ينجز «قصة» قصيرة أو متوسطة أو طويلة تتقيّد بأفضل النماذج النقدية الملقّمة بشكل مسبق، إذا تمّت كتابة المواصفات الأساسية التي نريد من البرنامج الكمبيوتري إنجازها.‏

إذ يمكن أن تكون المواصفات المطلوبة على سبيل المثال: قصة حب، رومانسية، أبطالها ثلاثة، والأشخاص المشاركون عشرة، تدور في حارة دمشقية، في أوائل العشرية الأخيرة من القرن العشرين، غرضها تأكيد أنّ الأوضاع الاقتصادية قد تقتل الحب أحياناً.‏

هذه بعض المواصفات المقترحة التي يمكن وضعها في البرنامج، الذي يستطيع أن ينتج عشرة نماذج مكتملة على الأقل لقصة تتضمن هذه المعطيات. وكلما أدخلنا معطيات أكثر سوف تظهر في الحبكة ورواية الأحداث، حسب ما نريده من توجّهات. يضاف إلى هذا أنّ البرنامج سيقدم القصة بحجم كلمات محدّد مسبقاً، عشرة آلاف أو أقلّ أو أكثر، وكلما زُوّد بمعلومات تفصيلية زاد تشعيبه للأحداث، بل يمكن تحديد أحداث أساسية يقوم بسردها والنسج حولها.‏

واللطيف في الموضوع أنّ البرنامج يتضمن مجموعة من المستويات في الاستخدام اللغوي، تتراوح بين اللغة العادية التي يتحدثها غالبية الناس في المجتمع، على نحو ما نراه في تعريب المسلسلات المكسيكية حالياً، التي تجتذب ملايين العرب، وبين اللغة الأدبية الراقية التي نراها في آثار بعض الروائيين الكبار من الذين طبّقت شهرتهم الآفاق.‏

بل إنّ مخزون بعض «إصدارات» البرنامج المتعدّدة تفوق ما قد يتعلّمه كثير من طلاب قسم الآداب كمّاً ونوعاً، بما يظهر «الأديب الإلكتروني» أكثر تأثيراً في متلقّي الكتابة الإبداعية من ملايين العرب الذين تخصّصوا في مجالات تطبيقية وعملية لم تمكّنهم من امتلاك زمام استخدام اللغة الفصحى في الحديث، فظهروا كالغالبية العظمى من مسؤولين سياسيين واقتصاديين وأمثالهم ينصبون الفاعل ويجرّون المفعول ويقصفون عمر الفعل مهما علا شأنه.‏

ورغم أنّ الأديب الإلكتروني سوف يقطع أرزاق كثيرين من أدعياء الكتابة والمتكسّبين من مهنة الأدب وأخواتها، إلا أنه سوف يضمن ارتقاء أكيداً بمستوى بعض الذين فاتتهم فرصة إتقان اللغة العربية، لأسباب متنوّعة نذكر منها أنّ أساتذتهم لم يكونوا يجيدون شرح الدروس باستخدامها، كما هي الحال في الفترة الراهنة في غالبية مدارسنا وجامعاتنا.‏

ولذا فإنّ الأمل معقود على الوزارات ذات الصلة في أنّ تخصّص من ميزانياتها بعض المبالغ للحصول على الأديب الإلكتروني لترميم معلومات منتسبيها، ثم الاستفادة في تقويم اعوجاج ألسنة المتحدثين بأسمائها، ولاسيما في المحافل الدولية حيث يعاني المترجمون الفوريون صعوبات جمّة من عشوائية ضبط أواخر الكلمات، إضافة إلى تخبيصات الصرف في نطقها.‏

والأمل معقود أيضاً على أساتذتنا، الذين أعلن بعضهم يأسه من نجاح أي جهود في إصلاح أوضاع اللغة العربية في الإعلام، بأن يجدّدوا نصائحهم في حثّ الجهات المعنيّة على جعل الإعلانات في وسائط الإعلام المتنوّعة قريبةً ما أمكن من الصياغة الفصيحة السليمة، وكذا الأمر بالنسبة إلى المتحدثين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية