|
أروقة محلية والحال لا يختلف كثيراً مع الحَاجَة أم أحمد التي عاشت حياةً رغيدةً في كنف زوجها التاجر ، واليوم بعد غيابه يرعاها ذاك الدار لكن أبناءها «الله يرضى عنهم» لا يبخلون عليها بالزيارة طلباً للرضا. إذاً, الزيارة ليست لمجالسة الوالدة والتخفيف من وحشة الأيام التي تقضيها وحيدةً رغم قربهم ، وليست إحساساً بالتقصير عن قيامهم بواجبهم تجاه أمٍ أفنت عمرها لتنشئتهم ، بل طلباً للرضا الذي طاله ماطال سواه من عصرنةٍ لقيمنا وسلوكنا الاجتماعي ولابدَ من نيله لضمان التوفيق في عملهم ، والزيادة في أرزاقهم ، ودوام عافيتهم .. أو ليس رضا الله من رضا الوالدين ؟! أما زيارتهم عندما تسنح الفرصة فلا بد منها لأخذ البركة خاصةً عندما يكون هناك خطوة حاسمة مقبلين عليها ، فقلب الأم لا يغضب ، ولسانها لا يلهج إلا بالدعاء والتوفيق بنيل المراد من كل خير ، وعند التقصير لن يعجز الوالدان عن التماس الأعذار لفلذات أكبادهم ، واختلاق الحجج للمحيطين بهم عن ثقل الأعباء التي تحول دون التردد عليهما إلا في المناسبات . ولأننا أبناء هذا العصر لن ننكر ضغوط الحياة وقسوتها ، وحق كل ابنٍ في العمل والسعي لبناء أسرةٍ ومستقبل أطفال, لكن هذا لا يتعارض مع وجوب رعاية من صرف عمره لنحيا, ومن يخنق غصَته ،ويكبت آلامه كي لايشغلنا , ومن يعضَ على جراحه خوفاً على مشاعرنا ، والوفاء يقتضي صون من لذنا بحضنهم الذي طالما أشعرنا بالدفء ، وتقبيل أيديهم التي مسحت عن كاهلنا عناء الأيام، والقسم أننا لن نتخلى عمن من كان ناصحاً وهادياً لنا في مشوار الحياة . ولأن الأيام دولٌ يومٌ لك وآخرٌ عليك لابدَ أن نحفر في عقول أطفالنا معنى البر بالوالدين سلوكاً وممارسةً لا عباراتٍ وأقوال, بالحفاظ أولاً على مكانتهما وإقامتهما بين أفراد العائلة أبناءً وأحفاداً لأن حميمية الأسرة أقصى ما ينشدونه في هذه المرحلة من العمر ، أما عبارات الحب مهما نمقناها والهدايا أغدقناها تبقى مجرد أشياء باردة خالية من أي معنى , ومن ينشد الرضا لا يساوم . |
|