تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عيــــون المـــها

معاً على الطريق
الخميس 28-1-2010
عبد النبي حجازي

دخل على هارون الرشيد الشاعر البدوي عليّ بن الجهم وامتدحه بقصيدة قال فيها:

أنت كالكلب في حفاظك للودّ‏

وكالتيس في قراع الخطوب‏

فامتُشقت السيوف تزمع تمزيقه، رفع الرشيد يده وقال «ضعوه في قصر الرصافة» بعد أيام دخل عليّ على الرشيد وأنشده قصيدة منها هذان البيتان:‏

عيون المها بين الرصافة والجسر‏

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري‏

أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوتُ ولكن زدن جمراً على جمر‏

يقول الجاحظ «آية الشعر أن يكون الشاعر بدوياً» أي أن يكون شعره صادقاً بريئاً من التزويق وما تقتضيه المجاملات (الحضرية).‏

بعد اختلاط العرب بالأمم الأخرى على أثر الفتوحات بدأ اللحن (الخط النحوي) يفشو في الناس ويصنف علماء النحو الشواهد أي الآثار الأدبية الخالية من (اللحن) وفق الترتيب التالي: 1- القرآن الكريم. 2- الحديث الشريف 3- الشعر، ويرون أن الشعر سلُم من اللحن في الحواضر (المدن) حتى العام (150) للهجرة (أواسط القرن السابع الميلادي) ويعدّون الشاعر إبراهيم بن هرمة آخر شعراء الشواهد في الحاضرة، أما في البادية فسلم الشعر حتى العام (450) للهجرة (مطلع القرن العاشر الميلادي) جاء في (عيون الأخبار) لابن قتيبة أن رجلاً سأل بدوياً- كيف أهلِك؟ (بكسر اللام وهي من الهلاك) أجابه البدوي بعنفوان -صُلباً. والسائل كان يعني أهل البدوي وكان ينبغي أن يقول (أهلُك بضم اللام).‏

الإغريق صنفوا الشعر إلى ثلاثة أنواع - الشعر الملحمي ومثاله هوميروس (القرن التاسع ق.م) صاحب (الإلياذة) و(الأوديسة) - الشعر الغنائي (الوجداني) ومثاله هسيودوس (القرن الثامن ق.م) أهم قصائده (نشأة الآلهة) - الشعر التمثيلي (أي المسرحي) وكانت مرحلته الذهبية بين القرنين الرابع والخامس ق.م، ومن أشهر شعراء المأساة (التراجيديا) اسخيلوس من مؤلفاته (برومثيوس المقيد بالسلاسل) وأوروبيدس من مؤلفاته (آندروماك) وسوفوكلس من مؤلفاته (أوديب ملكاً) وبهذا المعنى فإن الشعر العربي شعر غنائي بدءاً من الشعر الجاهلي كما وثقه الرواة بالمرحلة التي سبقت ظهور الاسلام بحوالي (150) سنة إذا استثنينا بعض التجارب المسرحية الشعرية التي لم يكتب لها النجاح في القرن الماضي، بيد أن ثمة مسرحيات عرضت على طريقة المسرح الاغريقي وقد كتبت نثراً تتخللها فواصل أغان جماعية كمسرحية حرب الألفي سنة للكاتب الجزائري (كاتب ياسين) لكنها لم تنل ما تستحق من شهرة بسبب إغراقها باللهجة العامية الجزائرية المشوبة باللغة الفرنسية.‏

يعد الأدب الاغريقي تراثاً للأدب الغربي بعامة والأدب (اللاتيني) بخاصة، أما نحن العرب فإن لنا تراثنا وهذا لا يعني أن العرب لم ينفتحوا على العالم، فقد ازدهرت حركة الترجمة في القرن الثاني الهجري (السابع الميلادي) أواخر العهد الأموي وتناولت سائر العلوم مثلما تناولت الأدب والفلسفة. إن حضارتنا هي (حضارة الابجدية الاولى) التي صمدت عبر القرون وتركت بصمات واضحة على الغرب منذ النهضة الاوروبية عبر المستشرقين. وفي تراثنا ملحمة (جلجامش) التي تعد أقدم قصة كتبها الانسان. ويعد القرآن الكريم اول كتاب عربي وهو الذي حفظ اللغة العربية بثرائها وجمالها.‏

anhijazi@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية