|
آراء وحيرتني بابتسامتها الواثقة النابعة من روحها المطمئنة المسكونة بالإيمان ... لعل أكثر ما أدهشني بنارا ذلك اليقين السعيد الذي تملكه ، وهو الإيمان .لذا شعرت كم أنا مشوشة وغارقة في ضباب وأنا بحضورها ، أن تلتقي بإنسان سعيد ومطمئن شيء نادر هذه الأيام ، نارا كانت متصالحة مع الحياة وترى الخير والجمال حتي في المرض والفقر ... كانت تملك رؤية فريدة وعميقة كما لو أنها تتجاوز الواقع البشري المؤلم والمشحون بكل أنواع الكوارث والمآسي ، لترى المشهد البديع والأخير للوحة الوجود البشري ،لترى القيامة الحقيقية المتعمدة بالنور والفرح ... استخفت نارا بالعذاب وبما يقلق الناس ، ترفعت عن الأهواء ، ومغريات العصر التي تجعل الإنسان يلهث ليحقق انجازات سخيفة مادية ، وآمنت بالروح ، والروح المخلوقة على صورة الخالق . كانت إنسانة مدهشة بسعادتها وقوتها ، وهي أول من نبهني لحقيقة أن الإنسان السعيد هو إنسان قوي ، وبكل صدق أعترف أنها من الأشخاص النادرين الذين أدخلوا الطمأنينة إلى قلبي ، وبأنها نبهتني أن الحياة تشبه الموشور أحياناً، وأننا يمكن أن نفسر ما يحدث لنا بطرق عديدة ، حسب زاوية الرؤية ، حسب المرآة التي ننظر من خلالها.. مرآة نارا كانت المحبة والإيمان ، لم تكن تتذمر وتشكو ، كان كل حدث في الحياة يدخل إلى قلبها ويتعمد بالحب ، وكانت ملاذاً للنفوس المتعبة ... ولا أنسى أنها أرسلت لي مجموعة من الكتب بعد لقائي الأول بها ، وأرسلتها كطرد بريدي ، وكتبت عليها إهداء ، يعبر أنها مهتمة بي وتعتبرني صديقة وأختاً... أشعر بالخجل كوني أنظر لموت نارا بطريقة مختلفة ، أخجل أن أبكي ، لأني أرى ابتسامتها المطمئنة الواثقة تعتب علي ، كما لو أنها تقول لي ، أنا لم أمت ، أنا انتقلت ، عبرت إلى الحياة الأخرى التي كنت مؤمنة دوماً بوجودها ، نارا تعلمنا أن الموت ليس سوي عبور وبأن هناك حياة أخرى ووجوداً آخر ... قوة نارا لم تكن في ذكائها وعلمها فقط ، بل لأن قلبها لا ينبض إلا بالحب ... إن نبض الحياة الحقيقي ليس في الجسد بل في الروح . أنا مدينة لنارا كونها وسعت رؤيتي للحياة ، كما لو أنها تعطيني درساً بأن أنتبه إلى الما وراء ، وأن ثمة لكل ما يحصل في عالمنا مغزى اخر ،وهو مغزىخير وفرح دوماً. لا اتعجب القوة الروحية لنارا ، وحضورها الآسر الطاغي ، فقد ورثت الروح المتوثبة المحبة المبدعة عن أمها ، الكاتبة الشجاعة والنقية والمعطاء كوليت خوري ، الإنسانة القوية بحب الناس .... وبالكتابة ... ولا أعرف أي كلام يمكنني أن أعزي به الغالية كوليت ، وكلما فكرت بعبارة وهممت أن أكتبها يعيقني شيء ما ، أظن أن ما أريد قوله تحديداً ، هو ما تريد نارا أن تقوله لنا ، من خلالنا ، ومن خلال كتابتنا ، لتكن حياتنا تسبيح فرح وحب ، فهي آمنة وسعيدة حيث ارتاحت روحها ، لأنها كانت واثقة ومطمئنة أن روحها سترتاح في عالم من النقاء والخلود والحب ... وبأنها تحولت إلى فراشة من نور سيظل ألقها يرافقنا على الدوام . |
|