تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فراشــــــــــة من نــــــــــــور

آراء
الخميس 28-1-2010م
هيفاء بيطار

قليلة هي المرات التي التقيت فيها «بنارا » في منزل والدتها الكاتبة والصديقة الغالية كوليت خوري ... لكني أعتراف أن «نارا» أسرتني بروحها،

وحيرتني بابتسامتها الواثقة النابعة من روحها المطمئنة المسكونة بالإيمان ... لعل أكثر ما أدهشني بنارا ذلك اليقين السعيد الذي تملكه ، وهو الإيمان .لذا شعرت كم أنا مشوشة وغارقة في ضباب وأنا بحضورها ، أن تلتقي بإنسان سعيد ومطمئن شيء نادر هذه الأيام ، نارا كانت متصالحة مع الحياة وترى الخير والجمال حتي في المرض والفقر ... كانت تملك رؤية فريدة وعميقة كما لو أنها تتجاوز الواقع البشري المؤلم والمشحون بكل أنواع الكوارث والمآسي ، لترى المشهد البديع والأخير للوحة الوجود البشري ،لترى القيامة الحقيقية المتعمدة بالنور والفرح ...‏

استخفت نارا بالعذاب وبما يقلق الناس ، ترفعت عن الأهواء ، ومغريات العصر التي تجعل الإنسان يلهث ليحقق انجازات سخيفة مادية ، وآمنت بالروح ، والروح المخلوقة على صورة الخالق . كانت إنسانة مدهشة بسعادتها وقوتها ، وهي أول من نبهني لحقيقة أن الإنسان السعيد هو إنسان قوي ، وبكل صدق أعترف أنها من الأشخاص النادرين الذين أدخلوا الطمأنينة إلى قلبي ، وبأنها نبهتني أن الحياة تشبه الموشور أحياناً، وأننا يمكن أن نفسر ما يحدث لنا بطرق عديدة ، حسب زاوية الرؤية ، حسب المرآة التي ننظر من خلالها..‏

مرآة نارا كانت المحبة والإيمان ، لم تكن تتذمر وتشكو ، كان كل حدث في الحياة يدخل إلى قلبها ويتعمد بالحب ، وكانت ملاذاً للنفوس المتعبة ... ولا أنسى أنها أرسلت لي مجموعة من الكتب بعد لقائي الأول بها ، وأرسلتها كطرد بريدي ، وكتبت عليها إهداء ، يعبر أنها مهتمة بي وتعتبرني صديقة وأختاً...‏

أشعر بالخجل كوني أنظر لموت نارا بطريقة مختلفة ، أخجل أن أبكي ، لأني أرى ابتسامتها المطمئنة الواثقة تعتب علي ، كما لو أنها تقول لي ، أنا لم أمت ، أنا انتقلت ، عبرت إلى الحياة الأخرى التي كنت مؤمنة دوماً بوجودها ، نارا تعلمنا أن الموت ليس سوي عبور وبأن هناك حياة أخرى ووجوداً آخر ... قوة نارا لم تكن في ذكائها وعلمها فقط ، بل لأن قلبها لا ينبض إلا بالحب ... إن نبض الحياة الحقيقي ليس في الجسد بل في الروح .‏

أنا مدينة لنارا كونها وسعت رؤيتي للحياة ، كما لو أنها تعطيني درساً بأن أنتبه إلى الما وراء ، وأن ثمة لكل ما يحصل في عالمنا مغزى اخر ،وهو مغزىخير وفرح دوماً.‏

لا اتعجب القوة الروحية لنارا ، وحضورها الآسر الطاغي ، فقد ورثت الروح المتوثبة المحبة المبدعة عن أمها ، الكاتبة الشجاعة والنقية والمعطاء كوليت خوري ، الإنسانة القوية بحب الناس .... وبالكتابة ...‏

ولا أعرف أي كلام يمكنني أن أعزي به الغالية كوليت ، وكلما فكرت بعبارة وهممت أن أكتبها يعيقني شيء ما ، أظن أن ما أريد قوله تحديداً ، هو ما تريد نارا أن تقوله لنا ، من خلالنا ، ومن خلال كتابتنا ، لتكن حياتنا تسبيح فرح وحب ، فهي آمنة وسعيدة حيث ارتاحت روحها ، لأنها كانت واثقة ومطمئنة أن روحها سترتاح في عالم من النقاء والخلود والحب ... وبأنها تحولت إلى فراشة من نور سيظل ألقها يرافقنا على الدوام .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية