تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في الطريق إلى الجامع الكبير

آراء
الخميس 28-1-2010م
جلال خير بك

لربما كانت محافظة دمشق هي المعنية بهذا الأمر... إلا أن ذواكر المدن المرتبطة بشكل وثيق بنسيجها العمراني وأن القيمة العمرانية لبعض الأبنية القديمة الهامة: تجعل من الممكن التوجه إلى وزارة الثقافة كونها مسؤولة عن المديرية العامة للآثار والمتاحف..

خاصة وأن السيد وزير الثقافة قد استجاب لأكثر من مسألة فجنبها الهدم والإزالة ابتداء من الحدائق مثل«حديقة مقر اتحاد الفنانين التشكيليين في حمص»مروراً بعدد من الأبنية في جزيرة أرواد وجبلة وانتهاء بمتابعته الجهود الهامة التي تبذلها مديرية الآثار و المتاحف في مختلف مدننا ومناطقنا الأثرية.‏

وإذا اعتبرنا أن بناء فندق أمية السابق« الخيام حالياً» في ساحة المرجة وبناء آل الكوثر الملاصق له: أبنية أعطيناها الصفة الأثرية... فمن حق أبنية معاصرة لها: أن نوليها اهتماماً مماثلاً.‏

ففي الطريق إلى ضريح صلاح الدين والجامع الأموي « من جهة القلعة» كثيراً ما مرّ الناس دون الانتباه إلى بناء ضخم قديم يواجه الضريح وبناء الكحال الذي يجري إعداده فندقاً للسياح الأجانب...‏

وهولا يلفت النظر كثيراً كون المنطقة كلها تزخر بالأبنية القديمة... إلا أن ما جد عليه هو اللوحة الصغيرة التي وضعت على جداره الخارجي قرب الباب وكتب عليها« بيت القوتلي»...‏

وبالدخول إليه تجد عالماً آخر يدفع الخيال إلى الماضي حيث تجد نفسك في فناء كبير لبناء جميل فسيح بدت عليه ملامح الزمن وعوامل الطبيعة.‏

المنزل أو السراي أو القصر القديم: هو بناء من طابقين وبعض قبب«الجمالون» التي تطل على فنائه وعلى الطريق الخارجي... تغطي أرضه طبقة من البلاط القديم الجميل الذي ما زال يحتفظ برونقه وبهائه رغم عوامل الطبيعة والزمان لكأنه ترك خاوياً منذ دهور!!‏

ومما يؤسف أن مدخله الرئيسي إلى الفناء قد قسم بجدران وبابين: شوهت جماله الطبيعي وأحدثت قطعاً وشرخاً في هذا الجمال العمراني الطبيعي إذ جعلته قسمين وفصلت بين الفناء الكامل وغرفه الكاملة الأرضية والعلوية: بجدران حولته إلى مبنيين فنالت من انسيابية الرؤية والفرق في الذكرى التاريخية: لتصدم العين بذلك المنظر الذي كان أجمل لو بقي البناء على حالته القديمة.‏

والمبنى فسيح جداً وطوابقه العليا جميلة رغم آثار الاهتراء من الإهمال الذي ناله طويلاً واكتفي بتعيين حارس عليه!!...‏

ويقال: هنالك شركة « ربما أجنبية» تكلفت بترميمه وصيانته ، غير أن العمل توقف لأسباب خاصة.‏

وعدا عن كون هذا الصرح الكبير يحفظ ذكريات مجاهد له باع طويلة في استقلال سورية هو الرئيس شكري القوتلي... فإن من الضروري أن تتولى خبراتنا المحلية ترميم هذا البناء وإعادة تجديده والحفاظ عليه. ومن المفيد التذكير بأن مؤسسة الإسكان العسكرية كانت تضم فرعاً ناشطاً من فروعها المتألقة يدعى « فرع التراث» الذي تولى عمليات ترميم كبرى في دمشق وغيرها من المدن السورية مثل بعض مباني جامعة دمشق القديمة و«مشفى الغرباء» الذي صار مقراً للفنانين التشكيليين فترة ثم مقراً لرئاسة جامعة دمشق.. وبعض جوانب«مكتب عنبر فضلاً عن إسهامات هذا الفرع في زحزفة بناء المعهد العالي للفنون المسرحية ودار الأوبرا وغيرها.. .وليس أخيرا أن بعض مهندسيه ومنهم مهندس من آل جبري قد رمموا وأصلحوا بيت جبري الذي تحول الآن إلى مطعم أو كافتيريا... فلم لا يقوم هذا الفرع المبدع أو بقاياه!! بترميم بيت القوتلي هذا؟؟!!‏

كنا في لقاء سابق قد نوهنا أن جمعية أصدقاء دمشق لا تحقق النجاحات المطلوبة في عملها وأهدافها ، ولربما كان هذا نابعاًً من عدم تجاوب الجهات الرسمية معها. وقد أفاد أعضاء منها بأن المساعي التي يقومون بها لا تفتر أبداً وأنهم يجدون صعوبة في إصغاء الرسميين لما يقولون ويطلبون... ربما يكون ذلك.. لاسيما وأن مساعي عدد منهم قد انصبت في الآونة الأخيرة على شارع الملك فيصل وعلى بناء آل الكحال الملاصق لضريح صلاح الدين.: فهم يسعون إلى وقف العمل في الفندق التراثي المقصور على السياح الأجانب والذي يجري تحويل بناء الكحال: إليه... إلاأنهم غير راضين عن نشوء فندق للأجانب وتحويل سطحه إلى ترّاس: قرب الضريح والجامع الأموي.‏

ولربما كان يجب القول: إن جزءاً من هذه الجهود يجب أن ينصب على بيت القوتلي وتحويله إلى متحف أو مقر تاريخي لبعض أنشطة وزارة الثقافة في مجال العمران والآثار . ولعل من المفيد هنا التذكير بما حل ببيت فخري البارودي في القنوات...‏

أو بعدد المباني القديمة التي تحولت إلى مطاعم أو مقاهٍ. قديكون في هذا وجه من وجوه نشاطات الاستثمار.. لكن الذاكرة الوطنية والشعبية والصفة العامة لتلك الأبنية القديمة: أهم بكثير من الأموال التي يأتي بها هذا الاستثمار المحلي خاصة وأن الصعاب لا تصمد أمامه فهو قادر على تنفيذ مشاريعه في أية بقعة أخرى من ضواحي دمشق وما حولها ما دام المال هو العصب الرئيسي له... إننا ندعو الجمعية لزيارة الجهة الخلفية من محطة الحجاز لمشاهدة الاستثمار في مقهى .‏

لم يكتف بالبقعة الوحيدة الباقية خلف المحطة بعدحفر النفق الطويل....‏

بل سمح به بحيازة الرصيف فلاصق البناء الجميل وأصبحت الطاولات على الأبواب القديمة مباشرة...إنه الاستثمار... نعم الاستثمار الوطني!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية