|
آراء فعلاً، بماذا يفكر المرء عندما تقع عيناه على الأطلال؟ أحياناً، نسمع البعض يرددون: هذه الكومة من الأحجار أفضل من الإنسان. ونفهم بالتأكيد، أنها كذلك لأنها أبقى منه، لأنها تتحدى الأزمنة، بسنواتها الطويلة، الطويلة، وتتلقى بصدرها المنفتح عوامل الطبيعة بقوة وبكل ما في كلمة القوة من معنى، بينما الإنسان، لديه طاقة محدودة إن طالت وطالت فهي لا تتجاوز قرناً وربع قرن في حالات الاستثناء. وأحياناً، نسمع البعض يرددون عظمة الانسان هذا المخلوق الصغير قياساً على مخلوقات جبارة وضخمة عرفتها البشرية عبر ملايين السنين من عمرها، تتجلى فيما خلفته يداه، وإن في هذه العظمة تتجلى عظمة الإله الذي جعله قادراً على صناعة ما تعجز عنه باقي المخلوقات أو عجزت عن القيام بصناعته. ومهما يكن من تقييم هذا البعض أو ذاك لمدلول هذه الأطلال، فمما لاريب فيه أن وجودها، منذ مئات أو آلاف السنين، وامتداد هذا الوجود إلى يومنا هذا، إن دل على شيء فإنما يدل على امتداد الإنسان القديم نفسه في وجود الإنسان المعاصر. فهذا الامتداد نفسه هو الحافز الذي يجب أن يبقى متألقاً دائماً في حاضر الانسان المعاصر ليصنع شيئاً قادراً على الامتداد إلى وجود من سيأتي بعده بمئات أو بآلاف السنين. وليس شرطاً أن يصنع الانسان ليبقى وجوده مستمراً في وجود الجيل أو الأجيال اللاحقة قناطر كقناطر تدمر أو أهرامات كأهرامات مصر أو مسارح كمسارح روما وأثينا وبصرى أو أبراجاً كبرج إيفل وغير ذلك، فثمة ما هو كالأطلال خالد مدى الدهر وإن يكن في وسع التقنية الحديثة تجديده باستمرار كاللوحة الفنية أو اللحن أو الأثر الأدبي المطبوع. إن كل ما يورثه إنسان اليوم لإنسان الغد ويغدو جزءاً من عقله وقلبه ومشاعره عموماً في مستوى هذه الأطلال التي تثير في ذهننا أفكاراً وتجعلنا نتساءل ونفكر: ما سر أن يرتضي بعض من الناس لأنفسهم أن يذهبوا دون أن يحاولوا ترك بصماتهم على الأقل في المواقع التي وجدوا فيها؟ إن سؤالاً كهذا السؤال يدفع بنا لدراسة تفهم الانسان لنفسه, لدوره في الحياة ومدى إيمانه بهذا الدور كيف يجب أن يكون. هنا فيما أعتقد يكمن سر الارتقاء إلى مستوى أداء هذا الدور بمسؤولية أو على هامش المسؤولية مكتفياً بقضاء حاجياته اليومية وليس أكثر من ذلك. Dr-louka@maktoob.com |
|