تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الزمن

ساخرة
الخميس 28-1-2010م
معتصم دالاتي

لعله كان بين السادسة والسابعة من عمره، والأطفال في هذه السن كالضفادع، كثيرو النقيق والحشرية والفضول، يسألون فيما لا يعنيهم، وما لا يخطر لنا على بال، وأذكر أنني سألت مرة والدتي رحمها الله،

وكنت متخماً بقصص الملوك والجان. يا أمي / لم تكن كلمة ماما قيد الاستعمال في بيئتنا آنذاك / يا أمي. الملك قبل أن يصير ملكاً ماذا كان يشتغل؟ فأجابتني بسخرية وحسرة من الصعب على الطفل إدراكها:‏

- الملك يا عين أمك قبل أن يصير ملكاً كان يشتغل بفك الحبال والجنازير! ولعلها تريد أن تقول إن (الزنكيل) أي الغني يولد (زنكيلاً) والملك يولد ملكاً والفقير المعتر أمثالنا يولد فقيراً ومعتراً، ولا اعتراض على حكم الله.‏

أعود إلى الطفل ابن الست أو السبع سنوات حيث كان في طريقه من بيته بحي الفاخورة، وهو الشارع الموازي لبداية شارع الحميدية بحمص، قاصداً دكان والده في سوق الكندرجية، وهو الشارع الذي يتفرع من أبي العوف ويفضي إلى سوق الحشيش.‏

وعند باب السوق صادف مروره أمام دكان يجلس على رصيفها مجموعة من الرجال، فسأل أحدهم: عمو.. قديش الساعة؟ ولم تكن الساعة اليدوية آنذاك بالأمر الشائع. أجاب الرجل: عمو، بدك الساعة العربي والا الأفرنجي؟ حار الطفل، لأنه لا يعرف الفرق بين الاثنتين، ولم يكن الوقت ليعنيه، ولا تهمه الساعة، فلم يكن يقصد موعداً يخاف أن يتأخر عنه، ولأن لفظة عربي أسهل من أفرنجي فقد قال: العربي. فقام الرجل من كرسيه نصف قومة ونظر باتجاه الساعة المنتصبة في الساحة التي يتفرع منها شارع الحميدية وشارع السرايا وباب السوق، وتسمى الآن بالساعة القديمة، بعد أن أصبحت ساعة كرجية حداد تعرف بالساعة الجديدة. ومن المعروف أن الساعة القديمة قد تم إنجازها أيام الانتداب الفرنسي على سورية، ولأنها صنيعة الاستعمار، فقد جرى تقليد في المدينة أن يرمي شخص ما بالحجر أحد وجوهها ليحطم زجاجها، فيستدل المارة أنه في هذا اليوم ستجري مظاهرة ضد الفرنسي المستعمر، فيبدأ الناس بالتجمع، ولعلنا نتساءل الآن عن السبب في اختيار تحطيم أو ضرب الساعة الرئيسية في المدينة رمزاً لتوقيت المظاهرات، مع أن المدينة تحفل برموز فرنسية غيرها.‏

كان للساعة تلك ثلاثة وجوه، يضبط أحدها على العربي، والاثنان الآخران على الأفرنجي، أو العكس، لست أذكر تماماً، أما الآن فالوجوه الثلاثة، بالإضافة إلى الوجوه الأربعة لساعة كرجية حداد تضبط جميعها على التوقيت الافرنجي المسمى بالزوالي، بعد أن انقرض العمل بالتوقيت العربي المسمى بالغروبي، والتوقيت العربي أو الغروبي هو أن تكون الساعة تمام الثانية عشرة عند آذان المغرب أو غروب الشمس، في حين أن التوقيت الافرنجي أو الزوالي فتكون الشمس في منتصف السماء عند الساعة الثانية عشرة ظهراً.‏

تلك المعلومات لم تكن لتعني ابن السادسة أو السابعة بشيء، فهي أكبر من عقله ومن اهتماماته، إذ إن لعبة صغيرة أو تسلية بسيطة أو قبوع بوظة أهم لديه من جميع ما خلفه لنا الغرب والفرنجة من علوم.‏

قال الرجل الذي قام نصف قومة عن كرسيه ليتمكن من رؤية الساعة: عمو، الساعة عشرة إلا ربع عربي، وتبرع آخر بإضافة معلومات أخرى: يعني باقي ساعتين وربع على آذان المغرب.‏

تابع الطفل طريقه قائلاً لنفسه: شو يعني؟ وما زال حتى الآن لا يعني له الزمن أي شيء.. أو لا ينتمي إلى مجتمع يعيش برمته خارج الزمن؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية