تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مؤشرات تراجع المدّ الإمبراطوري الأميركي

شؤون سياسية
الخميس 28-1-2010م
نبيل فوزات نوفل

تاريخ البشرية يعلمنا أنه ما من إمبراطورية استعمارية بطشت وقهرت الشعوب، وتمددت خارج حدودها إلا وكان مصيرها الضمور والاضمحلال وهبوط قوتها، وتراجع دورها، والأمثلة كثيرة على ذلك قديماً وحديثاً.

وقد شهد القرن الماضي نزول العديد من الدول الكبرى عن عرش القوة الكبرى، واصطفافها في طابور الدول الأخرى بالرغم من امتلاكها القوة العسكرية وأدوات البطش المتطورة، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما أسباب سقوط الدول الكبرى وتراجع قوتها، وهل العالم اليوم مقبل على الخلاص من قوى الهيمنة الكبرى التي تسيطر على عرش العالم اليوم، والخلاص من القوة الوحيدة والعودة إلى تعدد الأقطاب؟.‏

ولقد بدأ كبار الاستراتيجيين الغربيين يبشرون بقرب انهيار الإمبراطورية الأميركية، حيث القوة لديها تتراجع وتبدو سطوتها أكثر هشاشة عاماً بعد عام.. والدلائل على ذلك كثيرة أهمها: أن الاقتصاد الأميركي يتراجع، ومؤشرات انهيار الإمبراطورية على الصعيد الاقتصادي تبدت خلال عام 2009م إذ بلغ العجز في موازنتها 1.4 تريليون دولار وأن الدين العام بلغ 2008م قرابة 5.8 تريليونات دولار.‏

ويتوقع أن يصل خلال عشر سنوات القادمة إلى 9 تريليونات إلى جانب تراجع القيمة النقدية للدولار أمام العملات الأخرى.‏

ولقد تنبأ المفكر (تود) أن الولايات المتحدة لن تكون إمبراطورية أميركية بعد بضعة عقود من الزمن، وما يجدر ذكره هنا أن هذا المفكر والمؤرخ هو فرنسي وهو الذي ألف كتاب الانحلال النهائي تحليلاً لانهيار المنظومة السوفييتية عام 1976م والذي توقع فيه مبكراً هذا الانهيار.‏

تراجع القيم الأخلاقية في المجتمع الأميركي حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هناك 330 مليون شخص يتعاطون المخدرات في العالم وحسب تقرير حكومي أميركي بلغ حجم الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات 300 مليار دولار في العام، منها 100 مليار في الولايات المتحدة أما عن تبييض أو غسيل الأموال فيقول صندوق النقد الدولي إنها بلغت في عام 1997م مبلغ 1500 مليار دولار منها نحو 500 مليار يجري تبييضها أوغسلها في مصارف الدول الصناعية التسع، (صحيفة السفير سمير التنير، 30/11/2009.‏

ويصف الصحفي الأميركي مات طيبي ( مجلة رولينغ ستون) المؤسسة المصرفية الأميركية الرئيسية «غولدمان ساكس بأنها:‏

«أخطبوط عملاق، مصاص الدماء، ملتف حول وجه البشرية، ويمتص بلا هوادة نسغ حياة كل ماتفوح منه رائحة المال».‏

حيث تحولت الدولة إلى جباية الأموال، وضبط الأمن، وتنظيم الحروب وتمويلها.‏

نمو النزعة الانفصالية بين الولايات المتحدة المكونة للإمبراطورية وخاصة في تكساس وغيرها من الولايات التي يتوقع المحللون أنها وصلت إلى عشر ولايات حتى الآن والتي أخذت تتعالى فيها نزعة الانفصال عن الإمبراطورية وهذا الأمر يعود لكون الولايات المتحدة هي خليط من الأمم والشعوب، وقطاع الطرق الذين هاجروا إليها وقضوا على سكانها الأصليين الهنود الحمر.‏

- انكسار هيبة الإمبراطورية العسكرية وفشلها في تحقيق الانتصارات الموعودة في العراق وأفغانستان والباكستان وغيرها من دول العالم، وانفضاح كذبها، وهزيمة ابنتها المدللة الكيان العنصري الصهيوني عسكرياً في حربها ضد المقاومة اللبنانية البطلة في تموز 2006م وهزيمتها للمرة الثانية على يد أبطال غزة في كانون الأول 2008م.‏

ولقد توقع البروفسور الروسي «ليفورين بالمنارين» تفتيت الإمبراطورية الأميركية، وهو يلاقي المؤرخ «بول كينيدي» الذي يرى أن الإمبراطوريات تقوم على عنصري القوة والثروة، إذ تحمي الأولى الثانية، فيما تضمن الأخيرة استمرارية الأولى، ولكن الحاصل هو تآكل قدرة الثروة والقوة بآن واحد ومتزامن، حيث كما أشرنا بدأت الثروة تتراجع، وحصل انهيار كبير في الاقتصاد وأصبحت الولايات المتحدة صاحبة أكبر مديونية في العالم.‏

سطوع نجم دول أخرى مثل روسيا الاتحادية، التي تطورت قوتها العسكرية وخاصة الصاروخية، التي قلمت مخالب إمبراطورية الذئاب الصهيونية.‏

والصين اليوم تتصدر الدول التي ميزانها التجاري رابح ونسبة النمو فيها أعلى نسبة في العالم حيث من المتوقع أن تصل إلى 9.5٪ في عام 2010، وهي تنمو في المجالات المختلفة، وبدأت تزاحم على عرش القوة وأصبحت قطباً يحسب لها حساب وبعض الدول الأوروبية بدأت تتململ للخروج من تحت العباءة الأميركية وأخذ استقلالها ولو جزئياً.‏

ولايمكن تجاهل دول أميركا اللاتينية التي لم تعد مزارع للإمبراطورية تلعب بها كما تشاء، بل أصبحت قوى مناهضة للهيمنة الأميركية وتقف في طريق تغلغلها في أميركا اللاتينية.‏

كما لايمكن لأحد تجاهل عودة الروح لقوى جديدة كانت في القرن الماضي مكبلة ومهيمن عليها، منقادة بحبل الرأسمالية الأميركية، أما اليوم فقد انتقلت إلى قوة مناهضة لطموحات الإمبراطورية وامتداداتها وهي إيران وتركيا اللتان أصبحتا اليوم لاعبين أساسيين في منطقة «الشرق الأوسط» ويلجمان الابنة المدللة «إسرائيل» ويقفان حجر عثرة في طريق المشاريع الأميركية في المنطقة وأيضاً نهوض الوطن العربي من سباته الذي استغرق معظم سنوات القرن الماضي، وولادة نهج عربي مقاوم للمخططات الامبريالية وخاصة في سورية والمقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية والعراقية وعودة الروح للمشروع القومي النهضوي الذي بدأت تدب الروح فيه من جديد في معظم أرجاء الوطن العربي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية