تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اليوم الأخير في حياتهم.. المنفلوطي.. الماضي الجميل

ثقافة
الخميس 28-1-2010
هاني الخير

كان الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي الذائع الصيت، يومذاك، صاحب كتاب «النظرات» بأجزائه الثلاثة، يتلوى على فراشه الوثير، يميناً وشمالاً،

جلوساً ونوماً، قياماً وقعوداً، كأن أفعى قد لدغته، نتيجة إصابته بذبحة صدرية خانقة، ناتجة عن توقف كليتيه.. وفي هذا الصدد فقد أصيب بشلل جزئي قبل وفاته بشهرين، فكتم آلامه الحبيسة عن أهله وأصدقائه، ولولا ثقل أصابه في لسانه عدة أيام، قاده إلى التلعثم وهوالفصيح، ماعلم أحد بمرضه، ولا استدعى طبيباً لمعاينته، لأنه كان لايثق بالأطباء، ورأيه المرتجل فيهم أنهم لا يطيلون العمر، ولايدفعون القضاء والقدر المحتوم الذي سيقرع بابه الموصود لامحالة، على حد تعبير الأديب طاهر الطناحي، ولعل ذلك هو السبب المباشر في عدم رغبته في إسعافه من التسمم البولي الذي أصابه قبل وفاته بثلاثة أيام.‏

ويبدو أن أوجاعه قد وصلت إلى الذروة، فصاح بلهجة ريفية يستعملها أبناء صعيد مصر: «آه.. آه.. يابوي..» ثم نظر بحنان إلى صديق عمره محمد حسني الجالس بجواره، وابتسم له ابتسامة شاحبة، ولم يتكلم، وكانت هذه الآهة النابعة من خليج أعماقه آخر كلماته، وأدار المنفلوطي وجهه المتعب إلى الحائط وهو على فراشه، وكان ذلك ليلة وقفه عيد الأضحى المبارك، التي صادفت يوم السبت 12 تموز عام 1926.‏

وبعد مرور أكثر من ساعة.. انتبه محمد حسني أن المنفلوطي لم يعد يبدي أي حركة تشي بأنه لايزال على قيد الحياة، فصاح ليعلم أهل بيته بالخبر الأليم، وصرخ أطفاله: واأبتاه.. وصاح من بالمنزل: وامصيبتاه..‏

ومن الغريب في حياة المنفلوطي أنه كان يتنبأ بنهايته، حين كتب آخر مقالة في آخر جزء من «النظرات» فقال: «سلام عليك أيها الماضي الجميل، لقد كنت ميداناً فسيحاً للآمال والأحلام، وكنّا نطير في أجوائك البديعة غادين رائحين، طيران الحمائم البيضاء في السماء لانشكو ولا نتألم، ولانضجر ولا نسأم، بل لانعتقد أن في العالم هموماً، وآلاماً وكان كل شيء في نظرنا جميلاً حتى الحاجة والفاقة».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية