تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دروس كاترينا

لوموند
دراسات
الأحد 9/10/2005م
ترجمة: سراب الأسمر

سينجم عن كارثة إعصار كاترينا نتائج مدمرة على جميع الأصعدة, فهذه الكارثة تشعرنا قبل كل شيء بعجز المجتمعات البشرية أمام قوى الطبيعة.

في الحقيقة, لا تمر سنة إلا وتحدث فيها كارثة ما: إعصارات, هزات أرضية أو مدّ بحري عال, لكن في أغلب الأحيان تكون دول العالم الثالث ضحية لهذه الكوارث أكثر من الدول المتقدمة.‏

مؤخرا, حادث تسونامي عام 2004 شكّل حالة استثنائية ليس بالمعنى الجغرافي لأن المناطق المنكوبة تعود إلى مناطق العالم الثالث,لكن المقصود بهذا هو العدد الهائل للضحايا الأجانب القادمين من الدول الغنية.‏

أما في إعصار كاترينا فنجد أن القدر وجّه ضربته للدولة الأكثر غنى في العالم, القوة العظمى الوحيدة على الكرة الأرضية, فاخترق تفوقها الاقتصادي وكذلك العسكري, وهكذا وجدت تلك الدولة نفسها مضطربة وعاجزة مثل تايلاند والهند وسيريلانكا في ظروفها المماثلة التي مرت بها, ومن هنا نستخلص دروسا عدة:‏

الدرس الأول: ترتبط ردة فعل المجتمع الإنساني أمام ظهور وضع معقد كهذا بدرجة تهيئه لمثل هذه المفاجآت من كوارث طبيعية كإعصار كاترينا وتسونامي الذي حدث في كانون الأول الماضي, وكذلك فيما يتعلق بالحروب, على سبيل المثال الحرب الأهلية لسنوات التسعينيات في يوغسلافيا التي حدثت إثر انهيار الاتحاد السوفييتي, فاجأت الجماعة الدولية التي وجدت نفسها غير قادرة على التصرف بسرعة بشكل منتظم ما نجم عن ذلك أهوال كبيرة.‏

الدرس الثاني: الثوران الطبيعي سيستمر بالظهور بعيدا عن أي سبب إنساني لا سيما إثر تغييرات البنية الأرضية والمناخية, لكن بالتأكيد سيزداد أيضا الثوران الناجم عن تدخلات الإنسان بالتأكيد لا شيء يجعلنا نؤكد بأن إعصار كاترينا ينتمي إلى هذه المجموعة.‏

هذه المأساة يجب ألا نعتبرها أقل تحذيرا, لا سيما بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة الأميركية وغيرها..‏

هنا نواجه تحديا حقيقيا يعني العالم بمجمله: العولمة تعني تعدد المشكلات التي لا يكون حلها إلا دوليا, ولأن الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم ولعشرات السنوات المقبلة في موضع الزعامة, إذا عليها ممارسة مسؤوليتها التاريخية في هذا المجال.‏

أخيرا‏

الدرس الثالث: ردة الفعل أمام الكوارث الطبيعية التي ينبغي اعتبارها مشكلات دولية ذات بعد عالمي, ليس المقصود بذلك انتفاضات الأرض أو الطبيعة, لكن يعني بذلك أيضا المصائب مثل الأوبئة (السيدا) هذا على المدى الطويل أي منظمة سياسية ستحتاج إلى وقت طويل في التدرب على طرق حلول جديدة لأنه تظهر أحيانا مشكلات معقدة جدا يصعب معها إيجاد حلول واضحة على أي صعيد كان, على سبيل المثال القيام بمهمة إنسانية إلى كوكب مارس, لكن يمكننا غزو الفضاء خلال عقود من الزمن دون مواجهة أي عوائق لكن في هذه الحالة قد تكون الأجيال المقبلة محقة في لومنا على تهاوننا تجاه كوكبنا, بمختصر العبارة, على صعيد سياسة أميركا الداخلية, يتضح أن النتيجة المباشرة ل( كاترينا) هي وصول جورج بوش إلى وضع لا يحسد عليه في فترة تفويضية إذ عليه أن يدفع ثمن أخطائه بعد الانتخابات من وجهة نظر السياسة الدولية بمجملها, تتعلق النتائج بقدرة تصرف الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.‏

قبل أن تجد لويزيانا والمسيسبي نفسيهما في حالة اضطراب, كانت بدأت تظهر نتائج التورط الأميركي في العراق, وذلك بتقليص هامش عمل السياسة الأميركية الخارجية, مثلا توجب على واشنطن التخلي عن موقف صارم إزاء كوريا الشمالية, ومصداقية تهديداتها لإيران بدأت تضعف, ومع الانتخابات في أفغانستان نلاحظ جيدا أن الحرب ضد طالبان بعيدة كل البعد عن تقديم الديمقراطية وهناك العديد من الأمثلة.‏

اليوم, يدرك المواطنون الأميركيون أن إدارتهم أرسلت أولادهم إلى الحرب ضد العراق لأسباب غير حقيقية وكان هذا التحرك على حساب الأمن الداخلي للدولة, لا بد إذا من ارتقاب ضغط متزايد على تخفيض القوات الأميركية السريع من العراق, ريثما يتم الانسحاب الكامل.‏

مع أن أي توقع يتعلق بالبنية السياسية لمستقبل العراق قد يكون محكوما بالصدفة, إلا أن هناك أمرا مؤكدا:‏

وهو أين يمضي الحلم الديمقراطي للمحافظين الجدد, نحو الأفضل أم نحو الأسوأ?‏

أما فيما يتعلق بأحوال الاقتصاد العالمي فقد كانت انعكاساته سيئة متجهمة, وارتفاع سعر البترول لم يُعق حتى الآن الاقتصاد الأميركي بشكل ملحوظ, فقد استمر هذا النمو بفضل الديناميكية الملموسة للشركات لكن بقيمة ادخار معدومة, أضف إلى هذا عشرات مليارات الدولارات تنفقها الولايات المتحدة سنويا على جيشها في العراق, وسيضاف إليها الآن عشرات المليارات الأخرى لإعادة بناء المناطق المنكوبة.‏

من يصدق بأن صدمة اقتصادية بهذا الحجم يمكن ألا يصدر عنها نتائج ملموسة على صعيد تباطؤ النمو وتراجع التضخم أو الاثنتين معا?! كما هو الحال في الديمقراطيات دوما, يطأ المنظور الاقتصادي بثقل خاص على الانتخابات ما يشكل عامل شك إضافيا في تجديد الكونغرس عام .2006‏

أماجورج بوش ثلاث سنوات بأكملها كرئيس لأميركا وإن أضعفته الأحداث إلا أن وجوده كرئيس لأول دولة في العالم ساعده كثيرا بامتلاك الكثير من الوسائل المعتبرة. هل سيستفيد من الدروس التي لقنه إياها الإعصار?! ماذا سينجم عن الجدل الواسع الذي بدأ يتفاقم في الولايات المتحدة بعد هذا الكابوس?‏

هل هذا سبب لمزيد من الخيبات أم سبب للأمل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية