تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أين المجتمع الدولي من الاستفزازات الإسرائيلية بشأن الجولان السوري المحتل!?

دراسات
الأحد 9/10/2005م
د. سعيد مسلم

في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الأمريكية على بلدان وأنظمة تحت ذرائع (تهديد الاستقرار العالمي)

والتلطي وراء الهيئات الدولية لتمرير ذلك, ومع تزايد المطالب بضرورة إصلاح المنظمة الدولية وهي تحتفل بعامها الستين, وبعيدا عن كل المواثيق والأعراف والمعاهدات والتشريعات التي استندت إليها تلك المنظومة, وأهدافها يبدو المشهد الدولي صاخبا جدا, حيث تحكم المعايير اللا أخلاقية سياسة العالم, خصوصا مع اتضاح ملامح المشروع الأمريكي الهادف للهيمنة على هذا العالم, هذا المشروع الذي يستند أساسا إلى برنامج صهيوني يتبناه ما أصبح معروفا باسم (صقور الإدارة الأمريكية) أو المحافظين الجدد.‏

ورغم كل الانتقادات والقرارات الدولية لمحاولات التفرد الأمريكي الصهيوني نجد رغبة بل قرارا إسرائيليا أمريكيا يقر بالاحتلال والجريمة والعدوان ويعتبرها اجراءات دفاعية, ويرفض بل يحارب كل أشكال المقاومة والنضال لاسترداد الحقوق معتبرا ذلك إرهابا وتحديا للعالم والإرادة الدولية.‏

عجيب منطق هذا العالم اليوم, وغريب هذا التسيد الأمريكي الصهيوني لأروقة هيئاته الشرعية, التي وجدت أصلا لردع مجرد فكرة العدوان والاحتلال والظلم, وها هي تتحول إلى محفل يقر ويشرع القهر واغتصاب الحق وقلب الحقيقة, كيف يصبح الجلاد عادلا والمظلوم مجرما متمردا, وتصير قرارات العدوان والاستيطان وضم الأرض بعد سلبها من أصحابها وتهجيرهم منها ليحل محلهم غزاة مستوطنون, غرباء عنها (يصيرون أسيادا لها وتحميهم شرعية المجتمع الدولي).‏

والجولان أرض عربية سورية, احتلتها إسرائيل منذ 38 عاما, وشردت سكانها, بعد أن طاردتهم قوتها العسكرية وسيطرت على ممتلكاتهم ليبقى منهم الآلاف تحت سيطرة المحتل, يرفضون هويته وتجنيسه القسري يتمسكون بوطنهم وأرضهم, يتواصلون مع أخوتهم في الداخل السوري من خلف أسلاك شائكة ملغمة, غير يائسين ,يقينهم أن موعدا مع التحرير قادم لا محالة, وهم الأقدر على شد العزيمة واستنهاض همم المقاومة, التي سيكون التحرر تحت وطأة ضرباتها عاجلا أم آجلا.‏

قضية الجولان المحتل وشعبه المهجر, والغرباء المستوطنين فيه, لم تغب يوما عن أجندة المنظمة الدولية, والتي كان آخرها رسالة المندوب الدائم لسورية في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي, حين ناشد العالم بضرورة الانتباه إلى الممارسات الإسرائيلية والتصريحات الاستفزازية التي صدرت على لسان وزير الحرب الإسرائيلي مؤكدا فيها عزم إسرائيل إبقاء الجولان السوري تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد والتوسع في المستوطنات هناك واستقدام أعداد جديدة من المستوطنين.‏

والحقائق التي لا بد من الاشارة إليها في الرسالة السورية وعلى العالم أن يتفهمها ويتعامل معها بكل جدية هي:‏

1- الجولان ارض عربية سورية محتلة منذ أكثر من 38 عاما, لا يمكن التخلي عنها وأن إسرائيل ملزمة بالانسحاب منها بموجب القرارات الدولية 242/338 وكل المبادرات الدولية والعربية للتسوية السلمية, تستند إلى هذا الأساس وتعتبر الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 ومفهوم الأرض مقابل السلام, هو المرجع الفاصل للتعامل مع هذا الموضوع.‏

2- كل الممارسات الإسرائيلية في الجولان المحتل سواء الاستيطان أو الضم, أو عدم التخلي عنه, إنما ترفضها بشكل قاطع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ويتفهمها جميع قادة العالم وهيئاته الرسمية ومؤسساته المدنية, وكل ما من شأنه الإبقاء على احتلال تلك الأرض والتصرف بها إنما يعتبر تحديا سافرا لميثاق الأمم المتحدة وسيادة القانون الإنساني والدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تعتبر الاستيطان جريمة حرب.‏

كما أن قرارات مجلس الأمن 497 لعام 1981 حول اكتساب الأراضي بالقوة, تدين ذلك واعتبرت حينها ممارسات وسلوك إسرائيل حيال الجولان وفرض القوانين الإسرائيلية عليه (اعتبره ملغى وباطلا) وليس له أي أثر قانوني وطالب آنذاك إسرائيل بإلغاء قرارها مذكرا بأن جميع نصوص اتفاقية جنيف تنطبق على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام .1967‏

إضافة لذلك فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أدانت سياسات الاستيطان والضم والاحتلال في قرارات تصدرها كل عام كان آخرها القراران: 59/125 و59/.33‏

3- إذا كانت إسرائيل تريد البقاء في الجولان إلى الأبد (حسب تصريحات مسؤوليها) وتريد التوسع في بناء المستوطنات واستقدام المزيد من المستوطنين, ضاربة عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية ومحاولات التسوية السلمية وتهدئة المنطقة وعدم اشعالها فعليها أن تدرك تماما (كما على المجتمع الدولي) إدراك ذلك بأن ما يزيد على نصف مليون مواطن سوري أبعدتهم إسرائيل بالقوة من الجولان منذ عام 1967 ومعهم أبناء شعبهم مصرون على تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم مهما بلغت التضحيات ومهما طال زمن الاحتلال ويعولون على آلاف المواطنين ممن بقوا في الجولان تحت الاحتلال, رافضين الممارسات القمعية له مؤكدين ولاءهم لوطنهم الأم سورية وإلى استعداد وحماس ما بين السوريين لتحرير أرضهم ولن يعدموا الوسيلة عندما لن يبقى من فرصة للحوار والدبلوماسية وعندما يطغى منطق الغاب والهيمنة الصهيونية, وتجارب ضربات المقاومة الشعبية ماثلة وحاضرة في أذهان وأمام أعين الجميع سواء في منطقتنا أو غيرها من العالم.‏

وهكذا فإن استمرار إسرائيل بتجاهل الإرادة الشعبية والدولية, وتنكرها لحقوق أبناء المنطقة التي تريد أن تعيش معهم بسلام لن يمكنها من الاستمرار, ومهما طغت وتكبرت وتجبرت قوة الشر, فلا بد أن تهزم من قبل قوى الخير والحق والعدل, التي ارتبطت دوما بصفة البشر واستمرارهم وبقائهم, وعالمنا الكبير ما وجد إلا ليبقى, والبقاء تصنعه الإرادة الحرة, وعزيمة الأقوياء تصنع المعجزات فهل تصحو الطغمة الدولية من كابوسها المرعب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية