تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا يتجاهلون القرائن?!

قضايا الثورة
الأحد 9/10/2005م
علي قاسم

يبدو أن الأسئلة التي لم تعلن بعد, هي أشد صعوبة من تلك التي طرحت حتى الآن, هذا على الأقل ما يمكن فهمه من الصيغ السياسية التي تتناول واقع التحقيق الدولي الذي يجريه القاضي ميليس في جريمة اغتيال الحريري.

وأهم تلك الأسئلة على الإطلاق وفق اجتهادات بعض وسائل الإعلام اللبناني تتعلق بالأسباب التي تقف وراء إغفال الأدلة والقرائن والتركيز على مجرد التلفيقات طوال الأشهر الماضية, وخصوصاً البعد الأصولي في جريمة الاغتيال, والذي أيقظته تفجيرات بالي الأخيرة.‏

وحتى الجثة المجهولة الهوية التي لا تزال في براد المستشفى والتي انتشلت من مسرح الجريمة, يحاول البعض تجاهل وجودها, رغم أنها في العلم الجنائي تشكل قرينة لا يرقى لها الشك, وتضاف إليها قصة الأستراليين الخمسة عشر الذين قدموا إلى لبنان ليلة الجريمة, وغادروها بعدها وهم أربعة عشر فقط, ولا أحد يستطيع نسيان الأصابع الإسرائيلية القابعة في كل زاوية من الجريمة.‏

كل هذا ألا يثير أسئلة أصعب من تلك التي أثيرت حتى الآن,ويمهد لمرحلة هي الأكثر حساسية, وبالتالي لابد من التوقف عند الكثير من النقاط التي كان يراهن عليها الكثيرون, ولاسيما أولئك الذين قطعوا خطوط الرجعة, ونصبوا أنفسهم أدعياء على الحقيقة.‏

القضية ليست في الإجابة التي قد لا يختلف عليها الكثيرون, إنما هي في الأبواق التي حالت دون أن تأخذ لجنة التحقيق الدولية بأهم مبادئ التحقيق الجنائي, وفي مقدمتها مبدأ الأبواب وإغلاقها باباً تلو الأخر, ولماذا افترضت اللجنة أن كل الأبواب المفترضة موصدة إلا باب الاتهام الموجه لسورية, وأن كل الأدلة الأخرى غير معترف بها إلا تلك التي تلفق بحق سورية, وأن أي مسار أخر غير الذي يقود إلى سورية مرفوض شكلاً ومضموناً, وأي معلومة أو نتف لمعلومة تتحرك نحو سورية أو لها علاقة بسورية تكفي للانطلاق في التحقيق من جديد?!‏

وكل هذا كان يمكن فهمه في سياق الأجواء المشحونة التي وجدت لجنة التحقيق الدولية نفسها فيها, ولكن ما يصعب فهمه أن تتوه لجنة تحقيق دولية محترفة في تفاصيل لا تلفت انتباه الكثيرين, بحيث بدت اللجنة الدولية وكأنها غرقت حيث كان يجب ألا تبتل قدمها.‏

ويتوازى ذلك مع لغة جديدة تتصدر مواقف الكثيرين, وتبدو حركتها مرهونة باعتبارات تتعلق بنصائح قدمت من جهات قريبة من التحقيق الدولي ومفادها أن ما كان يخطط له لم ير النور, وليس هناك ما يشير إلى أنه سيرى النور.‏

وعلى هذا الأساس بدأ البحث لدى الكثير من الدوائر المهتمة بالتحقيق الدولي عن خيوط أخرى تم تجاهلها عن عمد أو من دون عمد, وتعيد ربط الخيوط تلك لتصل إلى قناعة مفادها أن ما يتم تسريبه من انطباعات عن التحقيق الدولي مغاير للحقيقة التي تبحث عنها, بل هو في صلب ما تعمدت لجنة التحقيق اللجوء إليه.‏

ولكن هذا لا يجيب عن أسئلة مهمة وخطيرة في الآن ذاته وفي مقدمتها لمصلحة من كان هذا التجيير الإعلامي غير المسبوق, وفي خدمة من كانت تلك الأبواق تؤجر أصواتها وكلماتها, وأي مصلحة للمجتمع الدولي في الوقوع ضحية أكاذيب نسجت في أقبية السفارات تارة, وفي أروقة العواصم تارة أخرى?‏

لا نعتقد أن أحداً لا يدرك التفسير الواقعي لما حصل من استبعاد للعوامل التي تقف وراء الجريمة, بدءاً بمسلمة البحث عن المستفيد وصولاً إلى أسباب تغييب القرائن المادية من ساحة الجريمة, مروراً بالبحث عن الذرائع التي وقفت وراء حماس البعض لإطلاق الاتهامات لحظة وقوع الجريمة...!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية