تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أمسية دمشقية

معاً على الطريق
الأحد 9/10/2005م
د. اسكندر لوقا

الأيام الأخيرة من شهر أيلول الماضي, شهدت أمسية دمشقية مطعمة بنكهة تاريخية كثيراً ما نشاهدها وتستقر في الذاكرة البصرية إلى مدى زمني غير محدود.

مما علق في الذاكرة في تلك الأمسية, ما يحفز المشاهد لإعادة قراءة تاريخ وطنه, والتعرف على ما كانت عليه أحواله في الزمن القديم.‏

ففي ليلة الاحتفال بمهرجان طريق الحرير الذي نظمته وزارة السياحة, على أرض معرض دمشق الدولي القديم, كانت لنا نقلة من الحاضر إلى الماضي, كذلك كان آخر أيام عرض المسرحية الغنائية الراقصة (اوركسترا زرياب) بعنوان (آخر حكاية) للفنان المبدع المعروف (رعد خلف) على مسرح أوبرا دار الأسد للثقافة والفنون, وفي الليلة ذاتها, نقلة مماثلة من الحاضر إلى الماضي البعيد.‏

ولا نعتقد أن أحداً ممن شاهد أحد هذين الاحتفالين إلا وخرج بانطباع هو أن الأمس, مهما كان موغلاً في قدمه, يمكنه أن يبقى ماثلاً في الذاكرة البشرية إلى أيام لا يمكن أن تحدد بمدى زمني قصير, بل إنه يمكنه أن يبقى على دفئه وقدرته على التغلغل إلى أعماق النفس البشرية, وخصوصاً تلك العطشى إلى معرفة خفايا التاريخ ودوره في صنع المستقبل, صنع أيامنا نحن.‏

إن مجرد الوقوف على طريق الحرير الممتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب, مروراً بسورية, وقفة نظرية للتأمل لا أكثر, قد لا يعني شيئاً بمقدار ما تعنيه المشاهدة, حتى إذا كانت متخيلة, لأن هذه المشاهدة تحيي واقعاً لا حضور له زمن مشاهدته من قبل أجيال تفصل بينهم وبين الحدث قرون طويلة مضت ولا يمكن أن تعود, ومع ذلك تترك أثراً ممتعاً لديه. كذلك هو حال المسرحية التي أشرت إليها.‏

فحين يتأمل أحدنا وهو يتتبع ما رافق مشاهد المسرحية من لمسات فنية أخاذة مساعدة على تفهم مجريات القصة من قبل المتفرجين, يخرج بانطباع عميق وبقناعة أن مسرحنا الغنائي, هو بحق, في مستوى العالمية بما تعنيه العبارة, وأنه في استطاعته أن يكون بمثابة رسالة فنية جديرة بأن تصدر للخارج.‏

وفي مثل هذه النقلة من المكان إلى مكان, لابد أن تتضح رسالة المسرح الغنائي في بلدنا أكثر فأكثر. وهذا ما يجب أن يدعونا, أفراداً ومؤسسات, إلى التفكير بجعل الفن المسرحي الغنائي, رسالة حضارية نبرهن من خلالها لشعوب العالم كافة أن بلادنا لم تكن يوماً بلاداً تتعارض أفكارها ومواقفها مع مبدأ التآخي بين الإنسان المتحضر والإنسان المتحضر الآخر أينما كانت إقامته, بل ومهما كان لون بشرته أو لون معتقده أو جنسه.‏

وقد جاءت أوركسترا زرياب لتبرهن على هذه المعادلة التي لا ينقصها سوى أن تحتضن هي وأمثالها من قبل المؤسسات المعنية, إعلاماً وثقافة وسياحة, لتكون سبيل وطننا إلى عقول من لا يعترف لنا بعد بدورنا في رفد التاريخ البشري بأعظم الرسالات السماوية, كما بأعظم الإنجازات العلمية والأدبية والثقافية وما ترويه مصادر التاريخ القديم والحديث على حد سواء عن حقيقة دورنا في صنع حضارات عاشت طويلاً عبر التاريخ ولا تزال تلقي بظلالها على الحاضر بشكل أو بآخر.‏

ليلة السابع والعشرين من أيلول الماضي كانت باعتراف من شاهد مهرجان طريق الحرير, وأيضاً من شاهد المسرحية, ليلة من ليالي العمر - كما نحن نردد في أحاديثنا - يتمنى المرء ألا تغيب عنه طويلاً بانتظار مرور ذكرى أو مناسبة. إن عملاً مستمراً على هذا الصعيد الفني, ينمّي لدى المواطن الشعور بالمواطنة, كما ينمّي لديه مشاعر الزهو بالانتماء إلى وطن الإبداع والمبدعين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية