تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانترنت وثقافة الأصابع

ثقافة
الاحد 28/8/2005
احمد برغل

العولمة ... الرقمنة... ثورة الاتصالات. مجتمع التقانة.. الثورة الالكترونية, كلها مصطلحات دخلت حياتنا اليومية, وباتت لغة العصر وجواز مرور الى عالم الحداثة والتطور والتقدم, وبدونها نعيش في عزلة وجهل وفقر وتخلف.. انها مصطلحات تعبر عن العالم المتشابك الذي يعيش صدمة الانترنت التي غيرت اوجه الحياة ومناهج التفكير القديمة وجعلت الكرة الارضية قرية صغيرة اذا عصفت بها الرياح واصيب بعض سكانها, فان الخطر سيطال الجميع .

ضمن هذا الاطار, صدر عن السلسلة الشهرية لدار الهلال بالقاهرة كتاب عن شهر تموز 2005 بعنوان ( صدمة الانترنت وأزمة المثقفين) للدكتور احمد صالح, يرصد فيه نتائج ثورة الاتصالات وتفاعلاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقضايا والحقائق والظواهر الجديدة في هذا العالم المتشابك , كظاهرة الدين والتدين الافتراضي المنتشر على الانترنت, ظاهرة المحمول وتداعياته الاجتماعية والنفسية, مستقبل القراءة والكتابة وازمة المثقفين في عصر المعلومات, بعد مابات المثقف العربي مشتتا ما بين الثقافة الغربية الوافدة وثقافته الموروثة.‏

يقع الكتاب الذي يطرح قضايا مهمة في 236 صفحة من القطع الصغير, موزع على سبعة فصول هي:‏

اثنوغرافيا الانترنت, الاديان والتدين على الانترنت, مستقبل القراءة والكتابة في عصر المعلومات, نحو نظرية اجتماعية لهاتف المحمول, رؤية اخرى لظاهرة الانقسام الرقمي, المثقف العربي وتحديات عصر المعلومات والانسان والكائن في الالفية الثالثة.‏

في الفصل الأول من الكتاب يطرح المؤلف العديد من الاسئلة حول ثقافة مستعملي شبكة الانترنت, وهل يشكلون مجتمعا له ثقافة متميزة عن ثقافتهم الاصلية? وما هي السمات الرئيسية لثقافة مجتمع شبكة الانترنت? وهل الثقافة تتبع المجتمع? ام ان المجتمع يتبع الثقافة? وهل بالامكان ان يكون للمجتمع اكثر من ثقافة واحدة? وهل نفس الثقافة يمكن ان تكون مشتركة مع اكثر من مجتمع واحد? ليصل اخيرا الى النتيجة القائلة بأن مستعملي شبكة الانترنت يملكون ثقافة متميزة وبالتالي فهم يشكلون مجتمعا واحدا. ولكن كيف يكونون مجتمعا واحدا مع الحجم الكبير لامتداد الانترنت عبر الفضاء الواسع? هذه المعضلة وفق الكاتب يمكن حلها من خلال النظر الى مستعملي الانترنت على انهم يشكلون بنية فوقية مجتمعية محررة من التزامات المجتمعات الاخرى في القيام بوظائف التناسل وتوفير الغذاء والمسكن, استنادا على حقيقة واضحة ان اعضاء مجتمع الانترنت هم في نفس الوقت اعضاء في مجتمعاتهم التقليدية التي تدعمهم .‏

في الفصل الثالث من الكتاب يرى الدكتور احمد صالح ان للتكنولوجيا الجديدة تأثيرا سلبيا على القراءة, والارقام تثبت تناقص عدد القراء نتيجة انتشار التلفزيون والانترنت, والعاب الفيديو, ففي فرنسا مثلا اوضحت الارقام ان 50% من الشعب الفرنسي المعروف بولعه للقراءة احجم عن شراء الكتب هذا عدا عن تزايد اعداد من يقاطع القراءة.‏

وفي الفصل الرابع تناول المؤلف موضوع المنظور الاجتماعي للهاتف المحمول, او ما اطلق عليه( ثقافة الاصابع) مستعرضا تأثيره داخل محيط الجامعة ومراهقي المدارس كونه وسيطا اتصاليا..‏

اما الفصل السادس, فقد خصصه الكاتب للحديث عن موضوع المثقف العربي في عصر المعلومات والتحديات التي يواجهها, فرأى ان عصر المعلومات اضاف تحديات جديدة وخطيرة امام المثقف العربي اولها : ظاهرة تدفق المعلومات حيث يفقد فيها ا لمثقف القدرة على الاختيار والترجيح خصوصا وان اغراءات اللهاث خلف المعلومات وحولها قد تشل تفكيره.‏

وثاني التحديات التي يواجهها المثقف العربي في عصر المعلومات هو تدني المستوى الثقافي والمعلوماتي حيث يعاني غالبية مثقفينا من اعراض, رهبة التكنولوجيا او التكنوقوبيا.‏

ويخشى المؤلف من تعامل مثقفينا مع تكنولوجيات الكمبيوتر كنوع من المظهرية والوجاهة الاجتماعية والعلمية, فالتظاهر بالمعلوماتية لن يجعلنا نصل الى مستوى اسرائيل, فهي ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في صنع وتطوير الكمبيوتر وتكنولوجيات المعلومات, وعلى ذلك فان المثقف الذي يعاني امية هجائية المستقبل ويجلس بعيدا عنها منظرا لها لا يصلح الآن لوضع تصور للمستقبل.‏

فليس امامنا غير تعلم مهارات اللغة الكونية الجيدة التي حفرها العالم اليوم ونوظف مهارات ثورة المعلومات في مواجهة مشاكلنا, لذلك فالتحديات التي يطرحها عصر المعلومات يجب ان تؤدي الى مراجعة شاملة لتعريف المثقف ومن هو الآن!‏

التحدي الثالث الذي يواجهه المثقف العربي فهو المعركة المشتعلة دائما بين المحافظين الذين يسعون الى تحول الحاضر الى ماض, ويعتقدون ان سنة الآباء التي لا نحيد عنها والذين يتهمون دائما المثقفين الساعين الى نشر ثقافة العصر من علوم وتكنولوجيا بالعمالة الامبريالية وهذه المعركة تتطلب من المثقف العربي ادراكا واسعا بمتغيرات العصر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية