|
معاً على الطريق وأي مطالب واضحة المعالم سوى كلمة (لا) الرافضة لأي شيء وكل شيء - حسب التعليمات - إلى أن يصل البلد إلى حصد عواقب وخيمة، وبعض صرخات الجوع والفاقة والعوز والمرض، إضافة إلى المظاهر الفولكلورية التي تضر بالحراك وتضفي عليه صورة هزلية، عدا عن الأخطر وهو عمليات قطع الطرقات في مناطق محددة. لكن الهدف الأكثر خطورة هو استدراج المقاومة إلى مصادمة قد تتزامن مع عدوان إسرائيلي محتمل. المشهد اللبناني لم يسبق له مثيل من حيث النوعية ومن حيث بروز بعض الوجوه المحسوبة على دول خارجية وفي مقدمتها أميركا التي تعتبر اللاعب الأبرز في هذا الحراك الذي سرق وجع الناس وحرف الحراك المطلبي عن مساره لتنكشف الأهداف الحقيقية وهي شل البلد كلياً وشل مؤسساته والإمعان في تفقير الناس وتجويعهم وتدمير الاقتصاد اللبناني في لعبة خبيثة بالدولار والعملة الوطنية. وليس أدل على حجم المؤامرة أكثر من التبني الذي أطلقته كيلي كرافت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة: بأن الاضطرابات لن تتوقف في سورية والعراق واليمن ولبنان ما لم تؤتِ الضغوطات الأميركية ثمارها. إذاً فالمسألة ليست مطلبية بل اضطرابات من صناعة أميركية. لا يشك أحد أن الأيام الأولى كانت حركة مطلبية سواء على المستويات الشخصية أم على مستوى البنية التحتية التي أهدرت عليها عشرات المليارات ذهب معظمها إلى السياسيين عبر التلزيمات وبواسطة الدولة الرديفة والمجالس المشبوهة والجمعيات المرتهنة وغيرها. إلى هنا تبدو الأمور أنها تسير إلى المجهول وهو مفتوح حتى إلى حرب أهلية لن تنفع معها الغطاءات الدولية ولا مساعدات مجموعة الدعم الأوروبية، وهي أقرب إلى الإغاثة إذا ما استمرت الفوضى على هذه الوتيرة التصاعدية وساعتئذٍ لم تعد مقولة إن القادر على هكذا مواجهة لا يريد، وإن غير القادر يريد بل ويصعد استفزازاته، ويبدو أن هذا هو المراد لتحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية التي تريد إلهاء المقاومة وبيئتها في الداخل لتخلو لها الأجواء في خرق المياه الإقليمية اللبنانية الغنية بالنفط والغاز الموعودين، وربما تتمكن من توجيه ضربة عسكرية لها. وعلى المسار السياسي بدأ يأخذ الحراك أو (الفوضى المأجورة) شكلاً طائفياً واضحاً خصوصاً فيما يتعلق بتسمية رئيس الحكومة التي دخلت فيها جهات محددة بعينها ونسفت العملية البرلمانية من أساسها، كما ظهرت خطابات طائفية تندد بسلاح المقاومة بشكل علني، ما يعني أن لبنان أصبح على مفترق طرق بين الدولة المدنية، وبين الفدرلة رغم الطبيعة المتداخلة في بلد طالما تغنى بالعيش أو التعايش المشترك. هنا يصبح لبنان أمام خيارين فإما دولة الطوائف، وهذا مرفوض، أو الدولة المدنية والوصول إلى هذا الحل يستلزم قرارات جريئة ولكن ليس من الشارع الذي لا يملك قيادات واعية بل عبر المؤسسات الدستورية حتى لو أدى ذلك إلى تعديل دستوري بعد مؤتمر تأسيسي بمشاركة المجتمع المدني بعيداً عن الدور الخارجي. أما المرحلة الانتقالية فيمكن إدارتها من قبل حكومة مختصرة تشكل بالآليات الدستورية. مع التأكيد أن الاستمرار في التهرب من الحقيقة ودفن الرأس في الرمال أمر من شأنه انهيار لبنان وسقوط الهيكل على الجميع بمن فيهم أولئك المعطلون المتلاعبون بمصير الناس والممارسون لأبشع سلوكيات الابتزاز والاستفزاز. وإن غداً لناظره قريب... |
|