|
|
The Guardian
لذلك لم يول الكثير الاهتمام بالتقرير الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست في هذا الأسبوع تحت عنوان «أوراق أفغانستان» الذي يشير في مضمونه إلى التضليل المتعمد الممارس من قبل المسؤولين الأميركيين على الشعب بشأن إحراز التقدم في الحرب. ورغم ما لحق قادتنا من فشل ذريع في بناء دولة تبعد عنا آلاف الأميال ربما يخال البعض منا أنهم كانوا يتصرفون بحسن نية. يشير تقرير جريدة واشنطن بوست ضمنيا إلى الغباء المستفحل الذي يحيق بالقادة الأميركيين وخاصة عندما يصرون على خوض معارك هم على علم تام باستحالة الفوز بها ناهيكم عن تملصهم وإحجامهم عن تحمل المسؤولية المترتبة جراء اتباع تلك السياسة الفاشلة التي تسببت بالموت والدمار والأسى ولا سيما بالنسبة للأميركيين الذي ضحوا بحياتهم وحياة أبنائهم لخدمة بلادهم، ويضاف إلى ذلك أعداد لا تحصى ولا تعد من المدنيين الأفغان المحاصرين في دوامة حرب لا نهاية لها وهم عاجزون عن معالجة الأذى اللاحق بهم ولا حول لهم ولا قوة. لا شك أن تقرير «أوراق أفغانستان» يجعلنا نستذكر وثائق حكومية سُربت عن البنتاغون إلى صحيفة نيويورك تايمز قبل نحو نصف قرن من الزمن إذ أشارت تلك الوثائق إلى الإدارات الأميركية التي مارست التضليل والكذب على الشعب فيما يتعلق بحرب فيتنام الطويلة والمكلفة والعبثية. بيد أنه ثمة تباين بين الحربين، إذ لم يكن لحرب أفغانستان تأثير مباشر على حياة الأميركيين كما كان الحال إبان حرب فيتنام عندما جرت الدعوة للالتحاق بالقوات الأميركية أي أوجبت على الجميع المشاركة بطريقة أو بأخرى في الصراع القائم جنوب شرق أسيا. وإزاء ذلك، من المحتمل، وعلى الأرجح، أن يأخذ هذا التقرير الذي نشرته الصحيفة مجالا أعمق على غرار عشرات الروايات المنشورة إبان حقبة ترامب التي حملت اتهامات تؤدي إلى إسقاط أي رئيس في «الأحوال العادية». ثمة سؤال طرحه تقرير الصحيفة بيد أنه لم يناقش: لماذا يشعر الكثير من المقاولين الحكوميين وضباط الجيش رفيعي المستوى إلى مسؤولي وزارة الخارجية ومجلس الأمن بضرورة الكذب بشأن مآل الحرب في أفغانستان؟ ونجد الإجابة بسهولة ومفادها أن التقاليد التي دأبت عليها واشنطن، وخاصة مؤسسة السياسة الخارجية لديها، تقوم على أن مراجعة النفس وتحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ أمر محظور تماما. إذ من الممكن أن تدان بالكذب على الكونغرس بشأن صفقات الأسلحة غير القانونية، والتستر على الأعمال الوحشية، وتزاول عملك في سلك السياسة الخارجية دون أن تتعرض لأي مساءلة. في واقع الأمر، رصدت الولايات المتحدة ما ينوف عن تريليون دولار للحرب في أفغانستان، علما أن تكلفة تلك الحرب ستتجاوز عدة مليارات ذلك لأن الجميع يستغل الوضع القائم سواء كان من المديرين التنفيذيين في صناعة الدفاع أو جماعات الضغط أو صناديق الحملة السياسية الأميركية بالإضافة إلى مسؤولي الحكومة الأفغانية ومزارعي الخشخاش. ومما يثير الاستغراب هو كون مجمع الكونغرس العسكري الصناعي مستبعد على نحو واسع عن المحاسبة العامة، وليس ثمة من دوافع تدعو به إلى اتخاذ مسار مغاير. كما أن الميزانية العامة للبنتاغون تسير بذات النهج: إذ أن مبالغ غير مسبوقة رُصدت لاعتمادات غير ضرورية ما قاد إلى هدر في الأموال. ومازال الكونغرس يهدر الكثير والكثير من الأموال على الإدارة الدفاعية كل عام دون أن يُساءل حول جدوى ذلك الإنفاق. في نهاية المطاف، يكشف تقرير «اوراق افغانستان» أن الكثير من الأشخاص لقوا مصرعهم وأصيبوا وتعرضوا لاضطراب نفسي قد يمتد بهم سنوات عدة - إن لم يكن مدى الحياة- وواجهوا صعوبات مالية نتيجة إحجام حفنة من الرجال في واشنطن عن الاعتراف علنا بما عرفوه أو اقترفوه على مدى فترة طويلة من الزمن. وإن لم يصار إلى محاسبة أولئك الأشخاص فستستمر مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن في غيها دون أن تخشى أي عقاب. وبالطبع لا يتعلق الأمر بأفغانستان فحسب بل يعني أن ثمة احتمالا لظهور مجموعات أخرى من «الأوراق» بعد نحو 50 عاما تميط اللثام عن فشلنا وإخفاقنا في أخذ العبر من دروس تلقيناها في الماضي. |
|
