تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماذا في جعبة المجتمع الدولي للاجئين.. كلام المؤتمرات تمحوه المصالح!

دراسات
الثلاثاء17-12-2019
عبد الحليم سعود

مرة جديدة وعلى نية قضية اللاجئين الذين هجرتهم الحرب ومعاناتهم الإنسانية تشهد مدينة جنيف السويسرية قمة دولية لحشد الدعم لهم وللدول التي تستضيفهم، فيما يغيب من ذهن المنظمين أي مخططات لإعادتهم إلى بلادهم، أو محاولة الحد من الأسباب التي أدت إلى لجوئهم بعيداً عن بلدانهم الأصلية.

لقد اعتدنا كسوريين على وعود المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية بخصوص اللاجئين ومعاناتهم، تلك الوعود التي لم ينفذ منها سوى القليل القليل، فيما تستغل بعض الدول الانظمة التي تستضيف جزءاً من هؤلاء اللاجئين المناسبة لابتزاز المجتمعين وتحصيل ما يمكن من مكاسب وامتيازات تحت هذا العنوان الإنساني كما يفعل رأس النظام التركي رجب أردوغان الذي اعتاد في كل مناسبة على استخدام ورقة الذين نزحوا من سورية خلال سنوات الحرب عليها كذريعة من أجل ابتزاز الدول الأوروبية، في الوقت الذي تقوم فيه قواته من خارج ميثاق الامم المتحدة بعدوان سافر على الشمال السوري تحت عنوان ما يسمى إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، فمن المقرر أن يفتتح «المنتدى العالمي للاجئين» خلال الأيام القادمة، أي بعد قرابة عام على تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة إطار عمل يهدف لوضع نهج أكثر ثباتاً وإنصافاً لتقديم المساعدات للاجئين والجهات التي تستضيفهم.‏

وسيكون الاجتماع الأول من نوعه إذ يشارك فيه قادة دول ووزراء وكبار الشخصيات في عالم المال والأعمال إلى جانب العاملين في المجال الإنساني واللاجئين أنفسهم لطرح أفكار وتعهّدات تفضي لتقديم مساعدات أكثر فعالية.‏

وبحسب تقديرات مسؤولي الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان العقد الأخير الأكثر اضطراباً لجهة مستويات النزوح القسري واللجوء سواء داخل الدول التي تشهد نزاعات أم حروباً أم إلى دول قريبة أو بعيدة، وهذا يعني أن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات وحروب وتفشي ظاهرة الإرهاب كان السبب المباشر لارتفاع أرقام اللاجئين إلى مستويات قياسية في السنوات العشر المنصرمة، حيث تم تقدير الرقم بحلول عام 2018 بنحو 71 مليون شخص نزحوا قسراً بسبب الحرب والعنف وظروف أخرى، بينهم نحو 26 مليوناً عبروا حدود بلدانهم كلاجئين في دول أخرى.‏

وبحسب التوقعات فإن هذه الأعداد مرشحة للارتفاع مع صدور إحصائيات العام 2019 الذي شارف على نهايته مع استمرار التأزم والحرب والاضطرابات في العديد من دول المنطقة كليبيا واليمن وكذلك سورية مع استمرار نظام أردوغان بالعدوان على الشمال السوري، وكذلك مع غياب الحلول السياسية للمشكلات والأزمات المشتعلة، إضافة إلى وجود مصالح لبعض الدول في استمرار مثل هذه المشكلات والحرب وحالة الفوضى، واستثمارها فيها كما يفعل اليوم نظام أردوغان حين يصر على حل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا بمفرده بعيداً عن التفاهم مع الدولة صاحبة العلاقة، وحين تستمر الولايات المتحدة والدول الغربية بتعطيل الحل السياسي في سورية على سبيل المثال وعرقلة عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن مثلاً ومن دول أخرى بهدف الضغط على الدولة السورية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واستراتيجية.‏

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو كيف تعاطى المجتمع الدولي مع قضية اللاجئين السوريين وماذا قدم لهم، وللإجابة على هذا السؤال لا بدّ من استعراض مواقف وتصرفات عدد من الدول والجهات الغربية لتبيان الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان المؤتمر القادم سيحقق خرقاً يذكر في هذه القضية الإنسانية أم لا..؟!‏

دور تركي مشبوه‏

لعبت تركيا دوراً محوريا في العدوان على سورية وكذلك في استغلال قضية اللاجئين، فكانت ومازالت البوابة الأوسع التي تمرّ عبرها كل العناصر الارهابية المقاتلة في سورية وكذلك القوات الأجنبية التي تدخلت في الشأن السوري، من»أميركيين وفرنسيين وبريطانيين وغيرهم»، وإلى جانب المدنيين الذين كان يتم تهريبهم تحت عنوان «اللجوء بسبب الحرب» عبر تركيا في رحلة الوصول المضنية إلى أوروبا، كان ثروات سورية من نفط وآثار وكنوز تاريخية نادرة ومعامل تنهب بمساعدة من السلطات التركية بالتعاون مع جماعات «داعش» و»النصرة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية التي تدعمها تركيا والدول الغربية.‏

وقد حاول النظام التركي منذ الوهلة الأولى استغلال أزمة اللاجئين السوريين على المستويين الداخلي والخارجي، ولوحظ أن الحكومة التركية قامت ببناء مخيمات للاجئين على الحدود السورية قبل ظهور مشكلة اللاجئين أصلاً، كما استغلها أردوغان على المستوى الداخلي قبل الانتخابات التركية لتعزيز نفوذ حزبه الحاكم، حيث وعد اردوغان في العام 2015 بأنه سوف يمنح الجنسية التركية لكل اللاجئين السوريين.‏

لكن بعد استقبال تركيا لنحو 3 ملايين لاجئ ــ حسب ادعاءات أردوغان ــ بدأ الاقتصاد التركي يهتز، وارتفعت نسبة البطالة، كما ارتفع الإنفاق العسكري بسبب الحرب ضد «الأكراد» ودعم وتسليح الجماعات الارهابية، وبسبب إغلاق الاتحاد الأوروبي أبوابه في وجه تركيا، اضطر أردوغان لاستخدام ورقة اللاجئين السوريين في وجه أوروبا، وعقد تسويات مالية مع دول أوروبية من أجل إغلاق الحدود، وهو ما خفف من عبء الأزمة الاقتصادية لديه ولكن لم يضع حدّاً لها.‏

ولكن مع تعثر رهانات أردوغان في سورية، بدأت مشكلة اللاجئين تتّخذ أبعاداً جديدة، بحيث اختلط الوجه الإنساني للقضية، بالبُـعدين العسكري والمالي، فعادت تركيا للضغط على أوروبا مجدداً لتحصيل بعض المكاسب المالية، كما استخدم هذه الورقة كذريعة للتدخل العسكري في سورية رافعاً لواء ما يسمى إعادة اللاجئين إلى ديارهم، وشن ثلاث عمليات عسكرية في شمال سورية تحت عنوان مكافحة الارهاب وإعادة اللاجئين.‏

التعاطي الأوروبي‏

لم تتأخر دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في استغلال قضية اللاجئين السوريين وكان الغاية الضغط على الحكومة السورية بملف إنساني من هذا الحجم في محاولة لتشويه صورتها واتهامها بالمسؤولية عن أزمة اللجوء، في حين كان الدعم الأوروبي المباشر للإرهاب في سورية سبباً مباشراً لاضطرار ملايين السوريين لمغادرة وطنهم.‏

ومع الضغوط التركية على أوروبا بسبب هذه القضية وعدَ الاتحاد الأوروبي باستقبال ما يصل إلى 72,000 لاجئاً كحد أقصى، وتقديم مساعدات تصل قيمتها إلى 6.7 مليارات دولار أميركي إلى مركز للاجئين في تركيا، وإحياء المفاوضات المتوقفة بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما شهدت سياسات الدول الأوروبية تجاه قضية اللاجئين ما يشبه القوننة أو تحديد القواعد والسياسات اللازمة للتعاطي معها بهدف تضييق الخناق وفقاً لأطر قانونية ومؤسسية، بذريعة الحفاظ على الدولة القومية، والمخاوف من الإرهاب.‏

أبواب ألمانية مفتوحة بأجندات خاصة‏

كانت ألمانيا وما زالت من أكثر الدول صلة بقضية اللاجئين السوريين والأكثر استغلالاً لها، في البداية دعت لحلها، لكنها أتبعت سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين ادعاءً منها أنها تقوم بذلك بدافع إنساني وواجب وطني لمساعدتهم واحتراماَ لثقافة حقوق الإنسان، وظهر ذلك في تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قالت في تصريح لها» لن يكون هناك تسامح مع الذين ليسوا على استعداد لمساعدة اللاجئين فالمساعدة واجبة لأسباب إنسانيّة و أخلاقيّة».‏

لكن توابع تلك السياسة أثبتت كذب تلك الدوافع، ليتبين أن غايتها كسب تعاطف وتأييد الرأي العام الألماني خاصة، إضافة إلى دوافع اقتصادية منها أن ألمانيا من الدول التي تعاني خللا في تركيبتها السكانية لأن نسبة كبار السن أكبر من الشباب، حيث عدد السكان سوف يتناقص في العام 2021 وهذا يمثل تهديداً مستقبلياً، ومن أجل الحفاظ على ريادتها الأوروبية استقبلت اللاجئين وخاصة من فئة الشباب لتجديد شبابها مرة أخرى وعملت على إدماجهم في المجتمع ليصبحوا مواطنين فاعلين، بهدف إنعاش الاقتصاد الألماني، وتوسيع القوة الصناعية والمحافظة على زعامتها الأوروبي لأن عدد السكان له اعتباراته في قيادة الاتحاد الأوروبي.‏

ولكن مع ازدياد أعداد المهاجرين إلى ألمانيا، وازدياد نفوذ أحزاب اليمين في أكثر من دولة أوروبية غيّرت ألمانيا من استراتيجيتها وتمثل هذا التغير في مُطالبة المجتمع الأوروبي بتقاسم المسؤولية معها.‏

تعقيدات فرنسية‏

صنفت فرنسا ضمن أسوأ الدول الأوروبية بالنسبة لطالبي اللجوء حيث تؤكد إحدى الدراسات أن نسبة اللاجئين الراغبين في التوجه إلى فرنسا قليلة للغاية، ويرجع ذلك إلى عدم رغبة المهاجرين أنفسهم في التوجه إليها، بسبب الخوف الشديد من أسلوب الحياة فيها والتي لا تتماشى معهم، وتأخير الإجراءات لأوقات طويلة ما يجعل الوافدين عالقين على الحدود وفي المطارات لقترات طويلة، ورفض اصطحاب اللاجئ أي شخص معه، إضافة إلى إدارة أزمات المهاجرين التي تصنف بالسيئة والتي لا تهتم بحقوق المهاجر أو اللاجئ مثل الدول الأخرى.‏

كما يمكن القول أن معظم من يتجهون إلى فرنسا طلبا للجوء هم من فاقدي الأمل في اللجوء والمضطرين على ذلك بسبب ظروفهم الصعبة.‏

ورغم ذلك تعتبر فرنسا من أكثر الدول التي تستغل قضية اللاجئين السوريين وذلك لحجز موقع لها في المشهد السوري وحل الأزمة، وليس سراً أنها من أبرز داعمي الإرهاب في سورية ومن المشاركين الرئيسيين في العدوان عليها واختلاق الذرائع الكيماوية.‏

أما الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية فهي مجرد صدى لهذه السياسات التي تتحكم فيها نفس الدول وتديرها حسب مصالحها بحيث لم تستطع تقديم سوى القليل قياسا بوعودها، إذ ما زالت الولايات المتحدة الدولة الأكثر تأثير في قضية اللاجئين من خلال دورها كمعطل للحل السياسي في الكثير من البلدان أو عبر دعمها للإرهاب وتدخلها العسكري المباشر، ما يجعل كل ما يدور في مؤتمر جنيف أشبه بكلام الليل يمحوه النهار أو كلام المؤتمرات يمحوه الواقع والمصالح..!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية