|
دمشق ولن يجد الغرب الاستعماري ما يبرر به سلوكه الهمجي تجاه سورية بعد ان اثبت الجدل الدائر بخصوص الازمة السورية في مجلس الامن ان انصاف سورية هو انتصار للقيم العالمية ففي حين تبنت روسيا والصين والهند موقفا اخلاقيا يعول على الحوار واعتماد طرق الحل السلمي ورفض التدخل الخارجي بشؤون الدول المستقلة فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا انحازت للمصالح ورأت في استخدام القوة ودعم طرف على حساب طرف اخر بوابة وحيدة للحل. ويؤكد مختصون بالدراسات التاريخية ان كلا الطرفين كان منسجما مع تاريخه اذ ان تاريخ روسيا والصين والهند خال من أي شبهة استعمارية او تجربة عنيفة لاحداث تغيرات سياسية بل انها كانت تقف الى جانب الشعوب التي تتعرض لمحاولات تدخل عنيف في شؤونها وعلى العكس فان الطرف الاخر يملك تاريخا استعماريا طويلا كتبه بالحروب والاحتلال والقتل والتدخل العسكري لفرض وجهة النظر الغربية في القضايا السياسية. وتجلى هذا الانسجام مع الظروف التاريخية والقيم الثقافية في الخطاب السياسي للطرفين اثناء جلسة مجلس الامن امس الاول حيث حرص وزراء خارجية الدول الغربية على تهديد الجميع وكيل التهم لهم بما في ذلك روسيا والصين وتشابهت كلماتهم التي تركزت حول العنف والقوة والتدخل والمجازر والجرائم والحرب الاهلية والابادة والقصف ليبرروا نيتهم في استخدام القوة لحسم الامور لصالحهم حتى انهم لم يتورعوا عن التعبير عن ثقتهم بان تقديم السلاح للمعارضة السورية يشكل ارضية مقبولة لانهاء الازمة في حال لم يستجب الاخرون لرغباتهم. وبالمقابل فان حديث روسيا والصين والهند عن الشرعية الدولية وحقوق الشعوب وان تاريخ منطقة الشرق الاوسط الحضاري يستحق الحفاظ عليه وعدم تدميره ويفرض احترام رغبة شعوب المنطقة استنادا لمساهماتها الحضارية كما قال المندوب الهندي كل ذلك يعطي صورة واضحة للمدرسة الفكرية الشرقية التي قدمت تجارب مدهشة في النضال السلمي لمواجهة القوة العمياء تختصرها تجربة المهاتما غاندي في مواجهة الاحتلال البريطاني وكذلك ما قام به القيصر الروسي لكبح جنون نابليون بونابرت الذي اراد احتلال روسيا في القرن التاسع عشر حيث اعتمدت التجربتان على المواجهة السلمية وترك القوة تأكل نفسها كما ان تجربة الصين في الصراع ضد الاستعمار تشكل نموذجا يحتذى. وتؤكد التجارب الامريكية الاوروبية في العراق وافغانستان ويوغسلافيا والصومال وفيتنام ان المنطق الامريكي القائم على القوة فرض نفسه في جميع هذه التجارب وكان الهدف دائما خلق متغيرات سياسية تحافظ على المصالح كما ان انتشار القواعد العسكرية الامريكية في كل بقاع العالم وخاصة الحساسة منها لا يدع مجالا للشك بان الغرب الاستعماري يراهن على القوة دائما ولا يمكن ايقافه الا بسلاحه الذي اختاره. ويرى مراقبون ان الولايات المتحدة في قيادتها للهجمة ضد سورية عبرت بشكل واضح عن عقيدتها السياسية المتفردة بشرعية دموية سنها قراصنة بحر الظلمات الذين لفظتهم اوروبا في العصور الوسطى ليقيموا همجيتهم على اشلاء الهنود الحمر سكان امريكا الاصليين محذرين من ان الغيرة الامريكية تدفعها لمعاداة الثقافات العالمية الاصيلة التي تذكرها بعدم شرعيتها ولذلك فان استمرار سيطرة الولايات المتحدة على العالم يهدد التنوع الثقافي العالمي برمته. وبنظرة فاحصة لحلفاء الولايات المتحدة في العالم يبدو جليا ان العقل السياسي الامريكي يلجأ للتحالف مع الحكومات والاحزاب والتيارات السياسية التي تتقاطع معه في طريقة التفكير اذ انه يفضل المشيخة والمملكة على الجمهورية ويدعم التطرف مقابل الاعتدال ويلعب دائما على التناقضات الاجتماعية كما ينتقي عملاءه من اللصوص واصحاب السوابق ويحارب الاراء المنفتحة ويدعم التقوقع ويرفض التعامل مع كل من يمتلك شرعية على الارض ويحرص دائما ان يبقي حلفاؤه ضعفاء ويحتاجون لحمايته. وعملا بالمثل القائل قل لي من تصاحب اقول لك من انت فانه لن يكون من الصعب تقييم من يدور في فلك امريكا اذ انه سيشبهها حتما فلا يعقل ان يدعم صديق امريكا الشعب الفلسطيني ويعادي اسرائيل كما لا يمكنه ان يؤمن بالحوار والديمقراطية والنمو والرفاهية كحقوق عالمية ولن يكون سيد قراره ابدا وهذا حال مشيخات النفط ومعظم الدول الاوروبية التي تنتظر الاوامر الامريكية قبل اتخاذ أي قرار. وبالعودة الى الازمة السورية التي تختبر من بوابتها الثقافات تبقى محصلة القول انه رغم صلابة الموقف الروسي الصيني المساند لحق الشعوب في تقرير مصيرها واصرار دول الغرب الاستعماري واتباعها في مشيخات النفط على المضي في سفك الدم السوري وتوجيه التهديدات يبقي للشعب السوري كلمة الفصل في رسم ملامح المشهد السياسي في المنطقة وتحديد مسار تطور الاحداث في قابل الايام. |
|