|
مجتمع أبو ابراهيم رجل يملك بقالية قال: كنت سعيدا جدا بعملي في البقالية أذهب إلى السوق وأحضر البضاعة ثم أجلس في المحل وأبيع ويأتي الجيران والأصدقاء وأتسامر معهم ومن ثم أذهب للغداء وبعدها أعود إلى المحل وهكذا في آخر النهار أشعر أن للحياة طعما جميلا وأن الأيام تمر بكل حيوية ونشاط إلى أن كبر الأولاد وبدؤوا كل يوم يلقون علي محاضرة من أجل البقالية ,أنها لم تعد تجني الأرباح وأنه عندهم مشاريع كثيرة حولها وأنني أقطع برزقتهم فهم عندهم مشاريع كثيرة يجنون من ورائها الأرباح التي تكفي الجميع,فقررت أن أترك المحل لابني الكبير الذي قام بتحويلها لمحل لبيع الموبايلات ولكوني لاعلم ولاخبرة لي بهذا الموضوع بدأت أزور المحل فقط وأجلس فيه لبعض الوقت ثم أعود إلى المنزل وأبقى جالسا فيه هكذا حتى أصبح لابني أصدقاءه وزبائنه الذين يريدون زيارته في المحل والجلوس معه وبدأت أشعر أنه محرج من وجودي بينهم فبدأ في أكثر الأيام يطلب مني ألا أذهب إلى المحل لأن لديه عملا كثيراً او هو يريد راحتي والاطمئنان على صحتي... حتى توقفت عن الذهاب نهائيا وغدوت جليس المنزل لا ذهاب ولا إياب ,صحيح ابني بعمله الجديد بالمحل باتت الأرباح أكثر لكنني منذ تركت العمل وجلست في المنزل حتى بدأت أشعر بالعزلة والوحدة وشعرت أنني أصبحت شيئا ثانويا بالمنزل فكل حاجيات المنزل والأولاد بدأ ابني الكبير يلبيها لهم لأنها تطلب منه بعد أن كانت تطلب مني .. أما أبو رامي فبعد أن كان موظفا في إحدى دوائر الدولة ويأتي بالراتب آخر الشهر ومعه الهدايا والحلويات لأولاده واليوم بعد تقاعده لم يستطع أن يشعر بلذة الحياة وبهجتها كما كانت أيام العمل فكان يذهب بعد تقاعده بأيام إلى بعض الأصدقاء ويذهب إلى السوق ويأتي بأغراض المنزل إلى أن بردت همته وغدا ذهابه إلى السوق حملا كبيرا عليه فهو لايملك النقود والأولاد كبروا وكبرت معهم حاجاتهم وتنوعت وتعددت, أصبح همهم أكبر عما كانوا عليه عندما كانوا أطفالا كما يقول أبو رامي... ويتابع قائلا بدأت أشعر بتقصيري تجاههم بأي شيء أحضره لهم مهما كان بسيطا وأصبح راتبي بعد التقاعد أقل مما كان عليه أيام الوظيفة,فكنت أعمل بالوظيفة وبدوام مسائي على تاكسي مساء لكن بعد أن تدهورت صحتي وأصبحت أعاني من وجع بأسفل ظهري من كثرة الجلوس على الكرسي لساعات طويلة, لذلك قرر أولادي أن أستريح من العمل الثاني وألا أعمل شيئا في النهار سوى الجلوس والراحة وتناول الطعام لكنهم بذلك لم يكونوا يدركون أنهم يسارعون في انهياري باكرا أو في تحطيمي وتحطيم حياتي.. لكن ماباليد حيلة هم يريدون مصلحتي وكانوا يعملون باستمرار لأخذي لزيارتهم في منازلهم والذهاب معا إلى التسوق لكن ذلك كله لم يكن يقوي من معنوياتي أو يرفع من عزيمتي وتمسكي بالحياة.. وغدوت اليوم وحيدا أنا وزوجتي وأشعر أنني حمل ثقيل عليها وأعمل كل مابوسعي من أجل ألا أطلب منها الكثير فقد أصبحت صحتها هي بالكاد تحملها. لذلك بدأت أشعر أنني وحيدا وأحاول باستمرار الاعتماد على نفسي في كل شيء حتى في أبسط الأمور. *** رأي مختص الباحثة الاجتماعية غيثاء العيسى تقول: أن علماء النفس يقسمون الكآبة التي يعاني منها كبار السن إلى ثلاثة نماذج وهي كآبة ناتجة عن رد فعل عكسي على تغيير حدث في حياته كتغيير المكان أو تعرضه لمرض خطير, أما النموذج الثاني فهو مرتبط بالناحية النفسية والعصبية التي قد تكون نتيجة معاناة نفسية يشعر بها خلال فترة طويلة, ويعتبر النموذج الثالث مجهولا نظرا لغياب الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة وهو غير شائع وغير منتشر حيث أن أفراد هذا النموذج يعرفون ماهو صحيح وسليم لكنهم يفقدون طعم الحياة. كما حرص علم النفس على دراسة الحالة النفسية التي تهدد حياة شريحة كبيرة من كبار السن وتمكنوا من تحديد بعض الأسباب التي تقف وراءها والتي تتلخص في التغيير والإنقلاب الذي يحدث في حياتهم من إحالتهم إلى التقاعد وماينتج عن ذلك من فراغ كبير والبعد عن الأولاد ,كل هذه الأسباب تؤدي إلى تحول في الحياة والعيش في كآبة وحزن شديدين ,لكن أربع حالات تبدو جوهرية وهي الحزن الذي قد يلم بالبعض لدى انفصالهم عن زوجاتهم لهذا السبب أو ذاك أو المرض الدائم والمستمر والذي يبدو الشفاءمنه صعبا كضعف النظر وترهل الجسم وفقدان السمع الذي يؤثر على اتصاله وتواصله مع محيطه الخارجي ثم العزلة التي يعاني منها نتيجة ابتعاده عن أصدقائه أو أهله في الكثير من الحالات, بالاضافة إلى فقدان قيمة الحياة والمعنى من وجوده في عالم لايستطيع فيه القيام بأي دور ممكن. ويكمن علاج هذه الحالات المرضية بإزالة الأسباب وزيادة العناية والاهتمام بكبير السن ومعالجة مشكلاته في وقتها خشية مضاعفتها واستفحالها. |
|