|
مجتمع
بل حملت الكثير من الصور الاجتماعية والذكريات العاطفية بدءا من قصص الجدات إلى أيدي الأمهات الماهرات اللواتي ينسجن الصوف ليصنعن ما يلبي الرغبة ويرضي الذوق والضرورة والحاجة ..رغم أن الوقت كان يسرق تعبهن باستمتاع ،ليصبح أجمل على موعد من جلسات سمره اليومية.. فصل دافئ يذكرنا على الدوام بأيام خلت حين كانت الحرف اليدوية تستوطن كل بيت ولاسيما شغل «السنارة» والتي من خلالها كان السباق والمنافسة على أشده بين نساء الحي أو القرية والمدينة على السواء. في إحدى الزيارات الميدانية لإحدى الورش المهنية لتأهيل وتدريب عدد من النساء والفتيات في أحد مراكز المدن ..كانت الست أم ياسر مازالت وهي على أعتاب الخمسين تجيد صنعتها في شغل السنارة لتخرج من بين أناملها قطعاً صوفية متعددة بقياسات مختلفة ، وكروشيه تزيينية تسر الناظرين. عن تجربتها تذكر أم ياسر كيف كانت تلتصق بجدتها في صغرها لتتعلم منها تطعيم قطب الصوف التي كانت تدهشها شكلا ولونا ،ولأن فضولها كان طاغيا على رغبتها بتعلم فنون حياكة الصوف اليدوي أخذت الجدة تساعد حفيدتها شيئا فشيئا دون أن يؤثر ذلك على دراستها، باعتبارها هواية تمارس وقت الفراغ..كبرت هذه الصبية وكبر معها طموحها بأن ترد الجميل لمن قدم لها فن التذوق بالأشغال والمهارة اليدوية وعلمتها كيف تستثمر وقتها بشكل جيد على أكمل وجه.. كانت الجدة تشتري لحفيدتها «كبب» الصوف لتحيك ما يحلو لها من شالات ، وكنزات ، وطواق ، وكفوف للصغار والكبار في العائلة ..دارت الأيام و تخرجت هذه السيدة من الجامعة «لغة عربية «لتجد نفسها أمام إتقان مهنة ساعدتها كثيرا على ستر الحال وهي تتفنن لأبنائها وبناتها بما تشتهيه أنفسهم من ارتداء ألوان الصوف. سلام «ع»تعلمت من جارتها في المدينة شغل السنارة في المرحلة الإعدادية ، كانت تعيش في أسرة يزيد عدد أفرادها العشرة اشخاص،لم يكن الوضع المادي في البداية يسمح لها بشراء الصوف الجديد ، فاعتمدت على «كر وفر» الكنزات أو السترات القديمة لإعادة غزلها ونسجها من جديد..استمرت سلام بشغفها وحبها لحياكة الصوف طيلة المرحلة الإعدادية والثانوية وبعد تخرجها من معهد إعداد المعلمين وتعيينها معلمة للمرحلة الابتدائية في ذاك الزمن..ودخولها حياة الشراكة الزوجية ما ساعدها كثيرا على اختيار ما يحلو لها صنعه من أشكال الحياكة.. تذكر المعلمة سلام كيف انها كانت تفضل ماركة الفراشة على غيرها من ماركات أصواف حماة وهي تستعيد بذاكرتها تلك الأيام ،حيث لم يكن يستغرق بين يديها إنجاز كنزة صوف رجالي مقاس كبير أكثر من ثلاثة ايام اما الطقم الولادي لصغارها قد يستغرق يوما واحدا أيام العطل وربما ساعات.اعتادت السيدة سلام وبمهارة لافتة أن تكون حافزا ومشجعا للعديد من الفتيات والنساء اللواتي يعشن في محيطها حيث لم تبخل على أي منهن في تعليمها ومساعدتها وتدريبها على فن مزج الألوان ومدى تنسيقها وملاءمتها بما يظهر الدقة والإتقان وجمال المنظر.. تركت المعلمة سلام مهنة حرفة الصوف لبعض الوقت بناء على طلب الطبيب حين أثرّ وبره على أصابعها في أوقات الصيف ..لكنها عاودت بعدما رزقها الله بحفيد وحفيدة من ابنها البكر الذي مازال يرتدي من صنع يديها الكثير من منتجات الصوف ..فعادت لفنها الجميل وبذات المهارة لتدلل بما تشتهي عين الطفولة من أناقة المظهر. لعل الأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا الجانب لمهنة تراثية لامست حياة معظم السوريين والسوريات في مراحل ماضية وسترت جلدهم ووفرت حاجاتهم فالكثيرات من نسائنا «جدات ،أمهات ، أخوات ، صديقات» كنا يعملن ويبعن ما ينجزن من ألبسة صوفية حسب الطلب،ورغم سطوة صناعة التريكو ومنتجات المعامل والمصانع والورش إلا أنها لم تستطع أن تلغي من حياة المرأة السورية هذا اللون من الإبداع الذي يعود بقوة اليوم إلى الواجهة بعد تسع سنوات قاهرة بكل المقاييس..فلا يكاد يخلو معرض أو بازار خيري من أعمال يدوية مختلفة من أقمشة وأصواف وكروشيه تحكي قصة ، وترسم صورة ، وتترك بصمة بأن إرادة الانسان في العمل هي الغاية والهدف لأي نجاح مهما كان بسيطا أو معقدا. |
|