تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


شرف الطب 00 شروط وعهود .. عقوبات وعطايا

كتب
الأربعاء 31-7-2013
يغري العنوان بالقراءة « شرف الطب في التراث العربي» فهو يضم مباحث شائعة، منها مايتصل بتاريخ الطب وتشريعاته قبل الإسلام.

وبعضها مايتصل بالطب النبوي والتوجهات الاسلامية التي تبرز تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، لمهنة الطب وسنجد في الكتاب عناوين تتصل بشرف الطب من جهة الإقبال على التعلم والمواظبة عليه ، إضافة الى الحرص على نقل العلم الى من يستحقه ويرغب فيه.‏

وكذلك عناوين تتصل بشرف الطب من جهة هيئة الطبيب ومعيشته ومأكله ومشربه ومجالسه، ومن جهة علاقته بالمرض وبزملائه من الأطباء والصيادلة وغير ذلك من المباحث الشائقة.‏

يقول المؤلف. محمد ياسر ذكور: «أضع هذا الكتاب بين يدي القارىء والطبيب ، والباحث والمهتم، وقد جمعت فيه أقوالاً في شرف الطب عبر العصور السالفة، والأنظمة والقوانين والعهود والمواثيق التي قيدت المهنة الشريفة، ليكون منهاجاً وسبيلاً يحتذى به، والرجوع الى ماحوته دفتاه من عبر ونوادر ذكرت في تاريخ الحضارة العربية الاسلامية، التي شعت نوراً على مر عصور لتشهد بعظمة هذه الأمة.‏

إن شرف الطب وآدابه وقوانينه وشروطه التي وصفت عبر هذه العصور كانت للحفاظ على صحة الإنسان الذي شرفه الله على المخلوقات كافة، فكيف نكث هذا العهد، وكيف نضيع المواثيق ؟ فمازالت القوانين تتعثر في إيجاد الحلول لكثير من المعضلات في مزاولة مهنة الطب والرقي بشأنها وشرفها، ونحن إذ نقرأ ماوضعه أجدادنا وحرصوا على نقله إلينا، نجد مانحتذي به، وننهج نهجه لمافيه صلاح المهنة ورفعة شأنها .‏

وقد صنف الأطباء والمسلمون الكثير من المؤلفات التي تتحدث عن شرف الطب وآدابه وسلوكه وعهوده وأنظمته وقوانينه ومايمتحن به، ومن هذه الكتب المؤلفة في تاريخ الطب وآدابه وشرفه (أدب الطب لإسحاق بن علي الرهاوي والتشويق الطبي لصاعد بن الحسن .‏

وأخلاق الطبيب ،محنة الطبيب والمرشد،لأبي بكر الرازي .‏

يضم الكتاب عشرين فصلاً منها، كيفية وجود صناعة الطب، وتشريعات الطب قبل الإسلام ، سلوك الطبيب وأدبه وكتمان سره، هيئة الطبيب وقدجاء في ذلك على لسان « أبو قراط»: « ينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً ، مستوياً ، ولا يستقصي قص أظفار يديه ولايتركها تعلو على أطراف أصابعه.‏

وفي تقديمه للكتاب يقول الدكتور فاروق اسليم «الشرف هو الشرط الأول للنجاح الحقيقي في أي مسعى ، وفي كل توجه، وهو المقدم دائماً لدفع الأذى عن الناس، إذا كان المعني بامتلاك الشرف هو الطبيب.‏

لكون مهنة الطب رسالة وأمانة، وطريق علم لا تسبر أغواره ، ولايدرك النجاح فيه إلا بالشرف المؤسس على وعي العلوم الطبية العامة، ومايلزم للاختصاص، والمؤسس أيضاً على السلوك العام والخاص المناسب لمهنة الطب..‏

أما في باب العفة وكتمان السر فقد جاء على لسان أبي بكر الرازي« واعلم يابني أنه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقاً بالناس، حافظاً لغيبهم، كتوماً لأسرارهم» وفي وصيته للمتعلمين قال الحكيم جالينوس « على الطبيب أن يكون مخلصاً لله، وأن يغض طرفه عن النسوة ذوات الحسن والجمال، وأن يتجنب لمس شيء من أبدانهن، لأنه من تجاوز ذلك اجتمعت عليه أقاويل الخاصة والعامة .‏

وحرم الدخول على الملوك فليحذر الطبيب هذه الأمور..»‏

وقد ظهرت تشريعات ناظمة لمهنة الطب في التاريخ القديم، كشريعة حمورابي، ومدونة «مانوالهندي» وقانون الألواح الاثني عشر، وكان أهمها شريعة حمورابي، وقدضم هذا التشريع أحكام ذوي المهن كالجراح والبيطري، الوشام، والبناء .. وكان تسع فقرات منها تتعلق بأجور الأطباء وبالعقوبات التي تفرض عليهم في حال وقوعهم في الخطأ ومن هذه القوانين.‏

إذا عالج الطبيب رجلاً مصاباً بجرح خطير بواسطة مشرط، وشفي ذلك الرجل، فإنه يتقاضى عشرة « شيقلات» من الفضة وهي واحدة وزن كانت تستعمل في ذلك الزمن.‏

وإذا استعمل الجراح مشرطه البرونزي وأخطأ في استعماله فأدى الى وفاة الرجل، تقطع يد الطبيب، وإذا تعاطى أجره أكثر مما يستحق يعاقب بالحبس .‏

وعرض الكتاب لبعض مقولات أبقراط الحكيمة من مثل « كل مرض معروف السبب، موجود الشفاء ، إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل، وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تفزع الى عادتها، ،دخل على عليل فقال: أنا والعلة وأنت ثلاثة، فإن أعنتني عليها بالقبول ومني لما تسمع صرنا اثنين، وانفردت العلة فقوينا عليها، والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه ، وقال لتلميذ له«ليكن أفضل وسيلتك الى الناس محبتك لهم، والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم ، واصطناع المعروف إليهم ».‏

ومن الأسباب الموجبة لسقوط الطب ونتائجها يقول أحدها ، هو أن الداخل فيها يداخله الطمع، والسبب الثاني استهانة الناس بحقوق الأطباء في ضروب الإكرام، والمكافأة، فاحتاج الأطباء أن يحتالوا لهم مع الطب معاشاً آخر من تجارة وغيرها.. أما السبب الثالث فهو دخول من لايليق بها، وليس من أهلها ، والسبب الأعظم الذي قد سهل في هذا الوقت على كل أحد الدخول في صناعة الطب، هو الرأي الذائع المشهور.. أن كل مايفعله الإنسان من أفعال محمودة ومذمومة هو من إرادة الله، مادفع العديد للدخول في هذا الاختصاص والتعرض لسقي الأدوية والفصد والبزل وغير ذلك بغير معرفة، لعلمهم بأن الناس عند هلاك من يهلك على أيدي الأطباء يعذرونهم، ويردون ذلك الى قضاء الله ..‏

لاشك إن النظم والقوانين والعهود التي وضعت عبر العصور هي لرفعة صناعة الطب، ولكن هل حافظنا على هذه العهود والمواثيق، أم هل عبثت أيادي الشر في كل شيء في الكون قال تعالى «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان » فهل كان الإنسان قادراً على حمل تلك الأمانة، وهل قدر الطبيب على حمل تلك الرسالة ؟‏

حاول الكتاب أن يضم ضمن فصوله الكثير مما قيل في شرف الطب عبر التاريخ ، لخوفه على تلك المهنة الشريفة والحرص على سلامة هذا الشرف، وصونه وتنقيته من كل مايدنسه ، وذلك بمخافة الله تعالى ، وبالقيود والشروط والعهود التي وضعت على متعاطي صناعة الطب والعقوبات التي طبقت بحق مخالفيها، وبالمقابل العطايا التي أغدقت على من أخلصوا فيها وأعطوها حقها من الأمانة والصياغة والإتقان ...‏

الكتاب: شرف الطب في التراث العربي - المؤلف: الدكتور محمد ياسر زكور - منشورات : اتحاد الكتاب العرب 2013 - سلسلة التراث (1) - 226صفحة من القطع الكبير .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية