|
ثقافة التي تقول بامكانية وجود تصوف يؤدي إلى منهج متطور يختلف عن الرؤية الأخرى والتي باتت رهينة للسياسة وابتعدت بالدين عن مساره الحقيقي ودخلت في لعبة الحياة وما تقتضي المصالح الشخصية. يبين الكتاب أن المذهبية الصوفية ظلت الإطار الدلالي والأيديولوجية الهادية للحركة الوطنية السودانية منذ أن نشأت الدولة على أشلاء القبيلة اثر تدافع الهجرة العربية إلى السودان بعد الإسلام حيث صاغ التصوف معظم المفاهيم النظرية والعملية للوعي الاجتماعي فاشتهر السودانيون بعاطفة جياشة تجاه كل ما هو ديني وبإدمان أحاديث السياسة وممارستها كطقس تعبدي مقدس. ويرى الشيخ ان التصوف في السودان ليس مذهباً يتحدد تأثيره في تفاصيل النشاط الروحي القاصد لثواب الآخرة بل هو رؤية تاريخية إصلاحية لدى الطليعة والعامة معتبرين أن الدنيا مطية الآخرة. ويبين الكاتب أن الواقع التاريخي لا يعترف بالزهد في معاركة الحياة لذا كان صوفية السودان كغيرهم من أهل التصوف إيجابيين وفاعلين في ظرفهم التاريخي وعند كل حقبة فلم يكونوا زاهدين بالمعنى السلبي للزهد انزواء ودروشة بل مارسوا كافة ضروب النشاط الاجتماعي ومن بينها السياسة. ويرى الكاتب أن الذهن السوداني لا يكاد يفصل بين الدين والسياسة ويتمخض في كل مرحلة ولا يلد إلا دولة تتجذر بالانتساب للدين وتتمنطق بالقداسة موضحاً انه بقراءة التجربة التاريخية نجد أن سلطنة الفونج قامت عام 1321 م على مفاهيم التصوف العفوي وإدعاء تطبيق الشريعة إضافة إلى أن التجربة المهدية وتجربة الإنقاذ تلتقي كلها على صعيد ظل القداسة وتأكيد حقيقة واقع الذهن السوداني بين ما هو ديني وما هو سياسي. ويكشف الكتاب أن هناك تناقضات ظهرت في رؤى هذه التجارب هددت مباشرةً التماسك القومي في السودان وجعلت المسرح السياسي السوداني رهيناً للأطماع الأجنبية بسبب نزوات التعصب الديني والعرقي والتكالب على السلطة والثروة خلال عهود الحكم الوطني وبخاصة حقبة استيلاء الأخوان المسلمين على مقاليد الحكم في نهايات القرن العشرين. وفي الكتاب.. إن الدين الذي كان أداة توحيد في القرن السادس عشر أضحى أول متهم بتهديد التماسك الاجتماعي ووحدة السودان حيث بدأ الأخوان المسلمون يقبلون بتسييس الدين وفعلوا ذلك في التحالف مع أمريكا ضد طالبان والقاعدة وفي توقيعهم لبروتوكولات أخرجت الدين من محتواه وأدخلته في متغيرات أخرى حدثت على أرض الواقع العالمي. ويبحث الكاتب فشل الأخوان المسلمين في تطبيق برنامجهم في واقع الحياة السودانية والتخفي عن فشلهم بقناع القداسة والعنف ودورهم في الترويج لإعطاء ذلك العنف شكلاً إصلاحياً لا يوجد له حقيقة على أرض الواقع. ويشير الكاتب الشيخ إلى أن الصراع التاريخي بهذا الظرف هو صراع في منطقة العقيدة وليس صراعا في مرحلة العلم وبعد ظهور التطرف أو ما يسمى بالإرهاب فإن أعداء التصوف العلمي هم الأكثر حاجة إليه لكنهم محجوبون بخوفهم من التعبير لأن تجارب الدروشة والتنوير ما كانت لتطمئنهم بيد أن تلك التجارب تترقى إلى علم لأن التصوف رؤية مفتوحة على التطور. يذكر أن الكتاب من منشورات دار ضفاف يقع في335 صفحة من القطع الكبير. |
|