|
تشرين التحرير بعد أن غادر المنزل بساعات كانت بضع كيلوات من الخبز مع أبي عدنان تدخل مطبخنا، نسأل لم هذا الخبز كله ولدينا المزيد، لم يطل السؤال ولا الحيرة أبداً، فبعد الظهيرة ونحن في حي الميدان اكتشفنا سر الفرح الذي يطفح من الوجوه، طائرات العدو تتساقط كالذباب، زغاريد النسورة تملأ الساحات رجال على الأسطحة، أولاد في الشوارع يهتفون، كل يسأل جاره هل تحتاج شيئاً؟ ماذا يمكنني أن أساعدك؟ لا شيء تغير أبداً إلاّ انكسار العدو وتحطم إسطورته، كل شيء موفور وموجود، أبداً لم نحتج ذاك الخبز الذي أتانا بل كل جار يقول لجاره لدي مزيد من الخبز والزاد وهل تحتاج ؟!..
هي ثقافة تشرين ونبضه وسلوك أصيل وثقافة عطاء ليست طارئة على مجتمعنا في الملمات والنوازل ولا حين يأتيه نداء الوطن. للوقائع الكبرى ثقافتها وعاداتها، فيها تبرز المعادن الأصيلة ويبدو الجوهر جلياً نقياً، هكذا كنا وسنبقى، لم نتغير أو نتبدل، عشنا تشرين وجرى في دمنا ونحن أطفال فكيف بالذين صنعوا تشرين، كيف بالشعراء الذين صاغوه أدباً وشعراً، تشرين في الأدب كما في الحياة معلم ومفترق، تجاوز ما قبله، السادس من تشرين كما يقول الشاعر محمد كامل صالح هو نسغ الحياة وسر وجودها، يقول الشاعر: تشرين!.. وليشعل التاريخ... أنت غد والبعث أنت.. وأنت الشام والأسد الله أكبر قد صاغتك.. مبدعة يوم اللقاء.. يد خلاقة ويد جسراً أقمت على الآتي فأي مدى للعين لوح.. إذ شدوا وإذ صمدوا أحجاره من رحيب الصدر مقلعها وكم فؤاد على بنيانه خضدوا كتبت للخلد إن باهى بسطوته هذا الزمان... فمن ساعاتك الأبد من الدماء على أيامك انسحبت غلالة المجد أين الصبح والرأد وحرب تشرين هي التي استعادت وأعادت كرامتنا المهدورة، فحزيران وهزيمته كانت كابوساً خيم ست سنوات دخلنا فيها كهوف الظلمة والتحجر، لكن أبطال الجيش العربي السوري أعادوا المجد وصنعوا النصر، تشرين هو بذرة النصر الدائم وأول محطاته، يقول الشاعر: بذرت في الأرض حبات الشموس فيا للزهو أي سنا في أرضنا شهدوا إن لم تك الفتح حقاً أنت عافية لأمتي.. يرتديها البنت والولد لولاك حمّى حزيران بنا فتكت وما نجا بيننا من شرها أحد غيرت منا، فلم تهدر مدافعنا في الجو حتى أفاقت أنفس جدد شعر الجنى زرعوا أجسادهم قيماً على ثراك فياالله ما حصدوا تباركوا جذوة شبت بهم أنفاً فما خبوا أبداً إلاّ ليتقدوا دوى الصهيل فردته على فرق روح السهوب وعانى وهجه الجلد وكم كان الشاعر قارئاً للقادم من الأيام على ما رآه من مواقف الأعراب الذين عاشوا الذل والهوان، لم يستطيعوا أن يحتفوا بالنصر أو يعيشوه بل أرادوا أن يطووا صفحته وما أشبه الأمس باليوم يقول الشاعر: دمشق أشكو إليك العرب ضيعهم في كل صحراء تيه قادة عبد ذلوا لكل بغاة الأرض وائتمروا بأمرهم وطريق المجد قد وصدوا يعفرون جباهاً شاه منظرها للغاصبين كأن الغاصب الصمد وينحنون على أقدام سادتهم وكلما أمعنوا في قهرهم حمدوا وتشرين ليس إلاّ مواكب الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطن حرّ، أبي، شهداؤنا هم أكرم من الدنيا وأنبل بني البشر صنّاع تشرين وكل نصر، يقول الشاعر سليمان العيسى: قل للتراب.. عرفنا كيف نترعها كأس الشهادة.. فاسق الأرض واغتسل قل للصخور... على أجداثنا أزل من الصقيع.. فيا أجداثنا اشتعلي قل للنسور... وراء الريح.. تشربكم هذي الصحارى بنبض، بالمقل وتشرين الذي كان لم ولن ينتهي، فهو باقٍ فينا حياة وممارسة وسلوكاً، تشرين وبطولات تشرين نراها اليوم على ثرى وطننا، تشرين هو الوعد والعهد، يقول سليمان العيسى: ياناسج الريح منديلاً لمهرته يا موقد الثلج بين الصقر والوعل تشرين مازال في الميدان يا وطني بين المحيطين فاسحق غيمة الشلل وانزل هنا مرة أخرى على بردى وبالشهيد بعطر الوحدة اكتحل يا عاصر الصخر في الجولان هل حصرت ضريبة الدم في رشاشك الثمل تشرين حكاية مجد صنعها أبطال بعضهم ارتقى في مواكب الشهداء وبعضهم مازالوا على قيد الحياة، ولكن أطفال تشرين هم الذين يبنون الوطن وهم من يرتقون في مواكب الشهادة ليبقى الوطن، يقول الشاعر سليمان العيسى: أطفال تشرين.. يا وعداً أخبئته للمعجزات لعرس العرس للقبل يا قطرة الشرف الباقي بجبهتنا لن تركعي أنت يا أنشودة الأزل في كتاب تشرين الذي صنع النصر معلقات عصماء في كل فنون الإبداع وحسبنا أننا وقفناها عند جزء يسير من صفحة من صفحاته، تشرين باقٍ فينا نجده كل يوم وكل ساعة. |
|