تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


.. إنجازات لم يمحها الزمن

تشرين التحرير
شؤون سياسية
الأحد 6-10-2013
 عبد الحليم سعود

  رغم مرور السنوات وتوالي الأحداث والتطورات والحروب في المنطقة والعالم ظلت حرب تشرين التحريرية عام 1973 ببطولاتها وتضحياتها حية في ذاكرة شعبنا في سورية وذاكرة أجياله المتعاقبة لجهة الإنجازات العظيمة التي كرستها تلك الحرب الخالدة والنتائج الباهرة التي ترتبت عليها عربياً وإقليميا ودوليا،

فالنصر الذي حققه جيشنا البطل على جيش الاحتلال الذي وقع قادته وجنرالاته في وهم أنه لا يقهر، والهزيمة التي لحقت بالكيان الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه التوسعي أرخا لمرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني عناوينها: أن العرب قادرون على الانتصار متى شاؤوا كما فعل محور الممانعة والمقاومة وإن إسرائيل المدججة بشتى أنواع السلاح قابلة للهزيمة وهي ليست قدراً يجب الرضوخ لمشيئته كما يفعل بعض عرب اليوم.‏

 فمنذ انتصار تشرين والهزيمة المرة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي على الجبهتين السورية والمصرية في الجولان وسيناء، وكيان الاحتلال يحاول عبثا محو آثار هزيمته بشتى الوسائل والسبل، سواء من خلال إجراء المناورات العسكرية أو شن الحروب المحدودة والغارات والاعتداءات والتهديدات أو من خلال تقطيع الوقت بالمفاوضات والمناورات والألاعيب السياسية..إلخ، لكنه دائما ما يحصد الخيبة والخذلان ويقع ضحية حساباته الخاطئة ورهاناته الفاشلة.‏

فإسرائيل منذ تلك الحرب، واقعة تحت ضغط استعادة الصورة الخرافية التي رسمتها لجيشها إبان حرب حزيران عام 67، إلا أن جميع محاولاتها وحروبها العدوانية المتتالية فشلت في تحقيق هذه الغاية، بحيث ظلت عاجزة عن استعادة ثقتها بإمكانية تحقيق النصر في أي حرب مستقبلية، وفوق كل ذلك فشلت في حماية جبهتها الداخلية التي كانت تحرص دائما على أن تظل محصنة ضد أي مخاطر وفي منأى عن تداعيات أية حرب محتملة، من أجل تكريس مشروعها الاستيطاني واستقدام المزيد من المستوطنين اليهود من شتى بقاع العالم لاستكمال إنشاء دولتها العنصرية المزعومة.‏

 وهذا يؤشر إلى أن حرب تشرين لم تنجح فقط في تحرير أجزاء غالية من الأرض المحتلة، وتحرير إرادة الإنسان العربي وجعله قادرا على قهر المحتل الإسرائيلي وإذلاله وإرغامه على تلبية المطالب والشروط، بل إنها نجحت في ترسيخ ثقافة الخوف والرعب والإحباط في نفوس الإسرائيليين، الأمر الذي يجعل الجزء الأكبر منهم يهرع إلى الملاجئ مذعوراً عند أول احتمال لحدوث مواجهة أو اشتباك صغير على الحدود في حين يفر جزء الآخر إلى الخارج حيث وطنه الأصلي خشية انهيار الكيان الذي كان يحلم به، وهذا ما جرى تماماً خلال حرب تموز عام 2006.‏

 ومن الإنجازات المعنوية لحرب تشرين أنها أعادت للإنسان العربي وجهه الأصيل وقدمته للعالم كصاحب حق وقضية عادلة، كما أعادت رسم الشخصية العربية بخطوط وألوان وأبعاد جديدة فهذه الشخصية قادرة على التأثير والانتصار متى توافرت لها الفرصة الإمكانات والقيادة التاريخية، وقد ساهمت الحرب أيضا  باستعادة الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية، وخلقت معادلة جديدة في الصراع تقول: أنه متى وجد الإنسان العربي المؤمن بقضيته والمستعد للتضحية من أجلها وتوفرت له القيادة الفذة والشجاعة والمخلصة كان النصر حليفه.‏

  وعلى صعيد آخر أكدت الحرب أن بين أيدي العرب أوراق قوة كثيرة وأسلحة غير قتالية فيما لو استخدمت في المكان والزمان المناسبين كان لها مفعول الرصاص والصواريخ دفع شعوب دول تتحالف مع العدو الصهيوني وتقدم له الدعم العسكري والسياسي، لمراجعة حساباتها والضغط على حكوماتها لتقديم مبادرات لحل الصراع بصورة عادلة، وكان لاستخدام الدول العربية لعلاقاتها الدولية الأثر الكبير في حمل بعض الدول لقطع علاقاتها بالكيان الصهيوني، ونشوء ما يشبه التحالف الدولي المعادي لإسرائيل والذي دفع باتجاه اعتبار الحركة الصهيونية مجرد حركة عنصرية عبر قرار دولي تم توثيقه في الأمم المتحدة، وقد ظل مفعوله ساريا حتى تمكنت الولايات المتحدة من إبطاله في غفلة من العالم في تسعينات القرن الماضي.‏

 كما أكدت الحرب على أهمية التضامن العربي في مثل هذه الظروف، حيث كان للمشاركة الرمزية لبعض الجيوش العربية في الحرب الأثر البالغ في تحويلها إلى معركة قومية بامتياز ضد عدو يستهدف وحدة الأمة ووجودها وثرواتها قبل أي شيء آخر.‏

من جانب آخر أسهمت الحرب في إشعال جذوة النضال الفلسطيني من جديد، بحيث نشط العمل الفدائي داخل فلسطين المحتلة، كما ألهبت روح المقاومة في الأمة، فنشأت العديد من حركات المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين، مستلهمة روح وانتصار تشرين لتلحق بالعدو الصهيوني الخسارة تلو الخسارة والهزيمة تلو الأخرى ولا أدل على ذلك من المقاومة الوطنية اللبنانية التي حررت الجنوب اللبناني عام 2000 وألحقت الهزيمة بإسرائيل عام 2006.‏

  ومع استحضار ذكرى هذه الحرب المجيدة، بصورها وبطولاتها وتضحياتها وإنجازاتها، تستعيد الذاكرة بكل الفخر والاعتزاز شهداء وأبطال هذه الملحمة العربية الخالدة وفي مقدمتهم القائد الخالد حافظ الأسد الذي كان لقيادته التاريخية والفذة الدور البارز في تحقيق ذلك النصر العظيم، وهي مناسبة أيضاً لتقديم التهنئة والتبريك لضباط وصف ضباط وأفراد وعناصر قواتنا المسلحة الباسلة التي خاضت حرب تشرين دفاعاً عن تراب الوطن، والتي كتب عليها أن تخوض هذه الأيام معارك الشرف والبطولة دفاعا عن الشعب في وجه قوى الظلام والإرهاب والتطرف التي تخوض ضد شعبنا وبلدنا حرباً إجرامية بالوكالة نيابة عن إسرائيل وحلفائها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية