تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ذكرى حرب تشرين التحريرية

الأحد 6-10-2013
د. خلف علي المفتاح

أربعون عاماً مرت على ذكرى حرب تشرين التحريرية التي خاضها بشكل أساسي الجيشان العربي السوري والمصري بهدف تحرير الاراضي العربية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني،

وكانت بحق اول حرب نظامية بالمعنى العسكري والاستراتيجي التي تخوضها جيوش عربية بمواجهة العدو الصهيوني الذي احتل فلسطين العربية وقسماً من أراضي سورية ومصر والأردن في عدوان حزيران عام ١٩٦٧ .‏‏

ومما تجدر الاشارة اليه ان الجيشين السوري والمصري قد خاضا تلك الحرب تحت علم اتحاد الجمهوريات العربية، الذي تشكل عام واحد وسبعين وتسعمئة والف، ما يعني انه لولا ذلك الاطار الوحدي لما امكن التنسيق والتوافق بين القيادات السياسية والعسكرية في سورية ومصر للاعداد والتهيئة واتخاذ القرار المناسب اصلا بشن تلك الحرب، ما يبرز الحاجة راهنا للاطارات الوحدوية والتكامل والتنسيق بين الاقطار العربية خاصة بلاد الشام ووادي النيل جناحا الامة العربية في أي جهد استراتيجي بمواجهة أي خطر يحدق بالامة العربية وأمنها القومي .‏‏

إن من أهم الدروس المستفادة من تلك الحرب- وهو ما تجدر الإشارة إليه في الوقت الحاضر وفي ظل هذا الاستهداف غير المسبوق للدولة الوطنية العربية وفكرة العروبة الحضارية من قوى وتيارات خارجية وداخلية -هو ان ضرب الجيشين السوري والمصري واخراجهما من المعادلة الاستراتيجية في المنطقة كان وما زال هدفاً استراتيجياً ثابتاً عند القادة الصهاينة والمطابخ السياسية الغربية لانهما صماما الامان للامن القومي العربي والقوتان الضاربتان الرادعتان حقيقة في مواجهة التوسع والعربدة الصهيونية، من هنا يمكن لاي باحث سياسي او محلل استراتيجي ادراك اسباب استهداف هذين الجيشان في الوقت الحاضر من قوى خارجية، واخرى ظلامية ارهابية تريد تدمير بنية الدولتين عبر استهداف قوتهما العسكرية التي تمثل الإطار الوطني والحامل الإساسي لبنية الدولة .‏‏

ان نظرة فاحصة على تاريخ الصراعات في المنطقة منذ اكثر من مئة عام وحتى الآن تشير الى أن أي قوة استعمارية او سياسية خارجية استهدفت المنطقة ولاسيما مصر وسورية والعراق تحديداً كانت تضع الشرط الاول لها في ظل أي معادلة سياسية ضاغطة على قيادات هذه الدول، تتمثل أساساً في تحديد تعداد تلك الجيوش وعتادها وتسليحها، وان استطاعت التدخل في عقيدتها العسكرية ما يعني ان تلك القوى تدرك ان الامساك بالجيوش يعني السيطرة على كامل مكونات الدولة، والتحكم بها سياسياً وعسكرياً وبالتالي استلاب قرارها الوطني وسيادتها .‏‏

لقد بتنا نعيش في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء عسكرياً واقتصادياً وفي ظل واقع دولي مختل تبدو فيه الحاجة ماسة للتكتلات الإقليمية للحفاظ على السيادة، ما يبرز الحاجة للتفكير الجدي على المستوى العربي والاقليمي للبحث في مسألة الأمنين القومي العربي والإقليمي إن كان هناك إدراك عميق ووعي عند بعض قادة العرب لمستقبل الأوطان أو بقائها أصلا في ظل هذه الموجة العارمة من الاستهداف الممنهج للدولة الوطنية ومحاولة نسف بنيتها ومكوناتها وعقدها الاجتماعي القائم على التناسق والتناغم والانسجام بين مكوناته عبر مئات السنين، فالقضية لم تعد قضية مشاريع خارجية تستهدف النظام السياسي وتموضعه في هذا المعسكر أو ذاك فحسب، وإنما هوية الدولة والمجتمع في آن معاً وهنا مكمن الخطورة والخطر .‏‏

إن ذكرى حرب تشرين التي نحتفل بها ونحيي ذكراها هذه الأيام مقدمين التحية لأبطالها من مقاتلي الجيشين السوري والمصري ومن ساهم معهم من اخوتهم العرب هي مناسبة يمكن من خلال استحضار معانيها وهو ما يحتم على القادة العرب والنخب الفكرية والسياسية القيام بمراجعة شاملة للوضعية العربية الردئية ونقد عميق وجريء لما آلت اليه منطقتنا من تشرذم واستهداف واضحين من قوى خارجية استعانت واستثمرت رصيدها من العملاء في الداخل واتباعها من الحكام في اكثر من بلد عربي، هذه المراجعة النقدية يمكنها أن تساهم في الحد من حالة التدهور تلك بحيث توضع المصالح الضيقة والشخصية جانبا ومصالح الامة ومستقبلها ومستقبل ابنائها في المقام الاول عندها يمكننا الحديث عن انتصار للذات العربية لا يقل اهمية عن انتصارات حرب تشرين ما يعطي معنى ودلالة اخرى لحرب تشرين التحريرية المجيدة .‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية