تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ومازال تشرين مستمراً

صفحة أولى
الأحد 6-10-2013
رفيق أحمد عثمان

عندما يقبل تشرين يتضوع عبق المجد و البطولة , و ينتشر أريج الشهادة و الفداء , و يسطع ألق النصر المضفور من عرق الأحياء و دماء الشهداء التي أحبت أرضها فعانقتها عناقا أبديا ليخضرّ سنديان الصمود و تتفتح الأزهار ألوان عزة وكرامة و تصفرّ سنابل النصر المبين.

هذا هو حصاد تشرين الذي ما غادرنا و لا غادرناه , نحن نعلم و نردد دائما أن الاستعمار الغربي و على رأسه الامبريالية الأمريكية لا يرى في هذه المنطقة إلا النفط و إسرائيل , النفط شريان حياته بكل ما في الكلمة من معنى , و إسرائيل ربيبته و صنع يديه و حارسة مصالحه و قاعدته المتقدمة في المنطقة, و نحن أصحاب الأرض و النفط و الثروات و الأسواق و المضائق و كل ما يسيل له لعاب الغرب , و مطلوب منا أن نكون عبيدا للصهاينة في أرضنا و حراسا لنفط الغرب و ثرواته في مياهنا وعلى أرضنا و ويل لنا إذا طالبنا بحقوقنا أو قاومنا مغتصبيها ويل لنا إن لم نذعن و نستسلم لشراهة أطماعه القاتلة, عندها يهددنا بالويل و الثبور و يتوعدنا بعظائم الأمور, وهذه هي القصة :‏

في تشرين حطّم المارد العربي سجنه الذي وضعوه فيه , سجن اليأس و الوهن و العجز والهزيمة و خرج إلى فضاءات المجد و العلياء ممتلكا الإرادة و القدرة و القرار محطما «طوطم» الذل و الهوان و غاسلا عار حزيران , مسطرا ملاحمه على جبين الشمس فارتقى سدرة الخلود و كان قاب قوسين أو أدنى من تحرير كامل التراب لولا تآمر الشريك وغدره الذي كان يدا من الأمام تصافح و أخرى من الخلف تطعن و لأن تشرين وضع التابو الأمريكي (إسرائيل و النفط) في دائرة الخطر و غيّر قواعد اللعبة في المنطقة و العالم بعد أن استنفرت القوات النووية الأمريكية و السوفييتية كان لا بدّ للأمريكي و للغرب كله من ورائه أن يلتف على تشرين لإجهاض إنجازاته الباهرة , فنصر تشرين كان انتصارا لقوى الخير على قوى الشر في العالم كله لذلك كانت بداية التآمر الصهيوأمريكي - الساداتي في محادثات الكيلومتر 101 و التي لم تنتهِ في كامب ديفيد بل كانت سلسلة متصلة الحلقات ضدّ انتصارات تشرين و ضدّ نهج تشرين و ضد أصحاب الانتصار العظيم و في مقدمتهم سوريا و مصر و من ورائهما كل من ساهم في هذه الملحمة المجيدة و بخاصة جيش العراق البطل و على ضوء هذه القاعدة يمكن قراءة ما جرى بعد تشرين و حتى هذا اليوم.‏

لقد أرّخ هذا الحدث العظيم لعصر عربي جديد و كان حدّا فاصلا و منعطفا حاسما في تاريخ العرب و بمقدار ما استبشرت الدول الاشتراكية آنذاك و معها دول العالم الثالث و كل قوى الحرية و التحرر في العالم بمقدار ما غضبت الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و ملئت حقدا و حنقا و غيظا على العرب و في مقدمتهم مصر و سورية اللتان استطاعتا الاقتراب من التابو الغربي الثالث و هو الوحدة العربية و كما هو معلوم فقد أوجدت الحرب نوعا من التضامن العربي و لو بحده الأدنى و لكنه أثبت انه لو توفر بحده الأعلى لكان أشدّ تأثيرا على إسرائيل و حلفائها من أقوى أسلحة الدمار الشامل و هذا مكمن آخر للخطورة التي سببها تشرين للأعداء ولذلك تم التركيز على عزل قطبي الأمة العربية عن بعضهما بواسطة بعض العملاء و المأجورين ممن باعوا دماء شهداء مصر و سوريا و ضحوا بانتصارات الأمة على مذبح طموحاتهم السلطوية و نزعاتها الاستعراضية المرضية و تآمرهم على أمتهم و وطنهم.‏

و هكذا انقسمت الأمة ما بين أنظمة (مارقة متطرفة متشددة ذات أنظمة شمولية معادية للسلام) لأنها لا تفرط بحقوقها و لا تتنازل عن ذرة من تراب أرضها و لا تقبل المساس باستقلالها و سيادتها و تقف كالطود الشامخ في وجه قوى الهيمنة و الاستكبار العالمي و هؤلاء هم أصحاب تشرين و أنظمة (ديمقراطية معتدلة متعاونة صديقة ) تقبل الذل و المهانة و الاستسلام للصهاينة و دول الغرب الاستعماري و تقيم العلاقات العلنية و الخفية مع الكيان الصهيوني ,و هم أحرار مع أن من لم يحتل الصهاينة الإسرائيليون أرضه فهي محتلة بالقواعد العسكرية و الاستثمارات النفطية و غير النفطية الأمريكية و الغربية و هم ديموقراطيون رغم أن معظم دولهم لا يوجد فيها دساتير و لا برلمانات و لا أحزاب و لا تمثيل و لا انتخابات , هؤلاء و أسيادهم هم أعداء تشرين , و مع أنهم ازدادوا حقدا و شراسة و أوغلوا عميقا في التآمر على حاضر الأمة و مستقبلها و تلطخت وجوههم و أيديهم بدماء أبنائها و بخاصة في سورية حاضرة المقاومة و عرين الصمود و سيدة تشرين التحرير و الانتصار.‏

سورية التي استطاعت بصمود شعبها و بطولات جيشها و حكمة قائدها و قوة تحالفاتها و صلابة منظومتها , منظومة المقاومة , أن تهزم أعتى حرب كونية يمكن أن تشن على بلد واحد على امتداد التاريخ , كما استطاعت إسكات طبول الحرب الأمريكية و تشتيت جوقة المرددين خلفها و قلب الطاولة على الخونة والعملاء والمتآمرين و المعتدين , لقد أثبتت سورية مقولة القائد الخالد حافظ الأسد بأن الشعب الذي صنع تشرين قادر على صنع تشرين آخر و أثبتت أنه مهما اشتدّ سعار أعدائها و مهما أثخنوا جراحها ستبقى أقوى من حقدهم و غيّهم و عدوانهم و سيبقى تشرين فيها عناوين مجد و كرامة و مبادئ استقلال و سيادة و تراتيل عشق و شهادة و ستبقى – و هي تحارب قوى الشر العالمي- رجاء كل مظلوم في هذا العالم و أمل مستقبل الأمة الواعد بأشرعة النصر الآتي على أمواج البطولة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية