تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إدارة بوش ... أسوأ صورة للولايات المتحدة

شؤون سياسية
الاحد 7/1/2007
الياس ابراهيم

سيذكر التاريخ أسوأ صورة قدمتها إدارة المحا فظين الجدد في الولايات المتحدة فقد استطاعت هذه الإدارة بفترة قياسية

وجيزة تحقيق أكبر مساحة سوداء في صورة أميركا أمام معظم شعوب العالم ومجتمعاتها, فكان إنجازاً لافتاً لكثرة ما استطاعت تأمين أكبر اصطفاف دولي معاد لأميركا.‏

لم يكن الأمر تبدلاً كبيراً في النهج الأميركي بقدر ما كان تبديلاً للأسلوب, فأميركا التي بدأت ترتب حقائبها لملء الفراغ الحاصل في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بعد استقلال هذه المناطق من الاستعمار الفرنسي والبريطاني وهي الدولة الغربية الوحيدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية بأقل الخسائر عسكرياً ومادياً وبشرياً, وبدأت خطواتها الأولى لتأهيل العالم للعصر الأميركي القادم وفق استراتيجية اعتمدت ثلاثة أهداف رئيسية هي:‏

1- إعادة بناء أوروبا المستقبل عسكرياً لتكون جداراً دولياً أمام المد الشيوعي فكان حلف شمال الأطلسي الترجمة العملية لهذا التوجه.‏

2- إعادة بنائها اقتصادياً من خلال مشروع مارشال لرفع السوية الاجتماعية للمواطن الأوروبي وتغيير البيئة المساعدة لنمو الفكر الشيوعي الذي أنتج مجموعة الدول الشيوعية كناتج طبيعي للفقر الحاصل بعد حربين عالميتين دفعت أوروبا معظم فواتيرها.‏

3- ضبط النمو الأوروبي ضمن مساحة أوروبا وعدم السماح لها بالتفكير للعودة لأحلامها الاستعمارية القديمة لأنها لن تقبل شريكاً لها في العالم الأميركي المقبل الذي لن يتحقق إلا بسقوط الاتحاد السوفييتي وتفكيك المنظومة الشيوعية وإعلان نهاية تاريخها.‏

ويمكن أن نتذكر في هذا السياق الموقف الأميركي المناوىء للعدوان الثلاثي على مصر, حيث لم يكن انتصاراً للحرية بقدر ماكان تجنباً لخروج أوروبي عن السيطرة, وعدم نمو القدرة الأوروبية أكثر مما تسمح به أميركا.‏

4- إزاحة الخصم السوفييتي بالمواجهة المباشرة عسكرياً, وعندما تعذر الأمر وزادت تكاليفه المتوقعة فلابأس بالحرب الباردة. وقد أوكلت هذه المهمة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية التي كادت أن تورط الجيش الأميركي بالمواجهة في فترة مبكرة عام 1952 من خلال تفجير سفينة نقل ركاب أميركية وإغراقها واتهام الاتحاد السوفييتي بذلك, وتم إحباط العملية من قبل البيت الأبيض لحسابات استراتيجية وليست أخلاقية, وكانت المحاولة الثانية للمواجهة العسكرية عام1962 وأزمة الصواريخ الكوبية, ويميل معظم المحللين لاعتبارها سبباً لاغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي لعدم اندفاعه للحسم العسكري في كوبا في ذلك الحين.‏

مما تقدم نلاحظ أن التوجه الأميركي لم يتغير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا أن خيار الإدارات الأميركية المتتالية كان أكثر ميلاً للخيار السياسي بعيداً عن المواجهة, وقد يكون هذا الخيار سبب نجاح هذه الإدارات في معظم توجهاتها قبل تولي المحافظين الجدد واعتماد خيار التصعيد عند وجود المبررات أوخلق المبررات عند عدم توفرها في أكثر من مكان, ولاغرابة أن تكون أحداث الحادي عشر من أيلول أبرزها, والاحتلال العراقي للكويت آخرها, وهومادلت عليه قرائن كثيرة, مايدفع للاعتقاد أن في كل أزمة دولية دوراً أساسياً لأميركا فيها إذاكان ما أشرت إليه يعتبر نجاحاً للإدارات السابقة فماذا حققت دولة المحافظين الأميركية?‏

قد يكون العامل الصهيوني هو الحاسم في دفع تهورها إلى حده الأقصى لاعتقاد الصهيونية العالمية أن الظرف الدولي هو الأكثر ملاءمة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى, وإن لم يكن فإسرائيل الأقوى, فالعالم تحت هيمنة القطب الأوحد بعد غياب الرادع الشيوعي, وضمور العامل الأوروبي ضمن محيطه الضيق, واعتبار المحيط الإسلامي لإسرائيل ساحة الحرب المفتوحة ضد الإرهاب فغاصت أميركا في أكثر من مستنقع في العالم الإسلامي في مهمة خسائرها فيها أكثر من مكاسبها, ولم تعد هذه الخسائر افتراضية بعد أن كثرت شحنات القتلى من الجنود الأميركان من الساحة العراقية والأفغانية, وبدأ المواطن الأميركي يتحسس طعم الحزن الذي ألفه واعتاده مواطن الشرق, وقد تكون الصفعة علاجاً ناجعاً للغيبوبة. نقرأ اليوم بداية صحوة للمجتمع الأميركي ربما عبر عنها بانتخابات الكونغرس الأخيرة ومجيء النتائج خلاف رغبة الإدارة سيئة السلوك, المتخمة بالعجرفة حتى مع حلفائها بدءاً بأوروبا العجوز وليس انتهاءً بمن لا ينالون الرضا إلا بتغيير عقائدهم عبر تغيير مناهجهم المدرسية بما يرضي إسرائيل وعليه الرضا الأميركي.‏

لكننا شعوب الشرق نعرف مدى التبدل المتوقع الذي لن يتعدى تبديل الأسلوب وليس الهدف, وهومانقرؤه في التوجه الجديد للتعاطي مع سورية والإصرار أن يكون تعاطياً مشروطاً أقله تفكيك العلاقة مع إيران للتقليل من اتساع رقعة المواجهة والتعاطي مع الملفات بالتسلسل من الأسهل إلى الأصعب, ولاغرابة هنا أن تبدأ أميركا تعلم قرع الأبواب والدخول منها لا من النوا فذ وفتحات السقوف كما كانت تفضل إدارة المحافظين, وبقي الامتحان التالي أمام الإدارة الجديدة أن تتعلم آداب الجلوس في صالونات المستقبلين كما يليق بالضيف ويريح صاحب المنزل.‏

حتى لا نوغل في التفاؤل علينا أن نتذكر أننا أمام تبدل متكرر للشكل ومنهج واحد في الاستراتيجية, لكن ما على الولايات المتحدة الأميركية أن تتعلمه هو أن رهانها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بقي وقفاً على أنظمة عملية معزولة جماهيرياً, وهي بذلك لم تستطع توفير أي عمق استراتيجي لسياستها الدولية, ورغم تفردها في الهيمنة على الساحة الدولية فقد زادت مساحة العداء لها, لأنها لم توفر أحداً من غطرستها السياسية.‏

إن تجربتها في السنوات القليلة الماضية التي سجلت أكبر هزائم السياسة الأميركية تتطلب منها إعادة بناء علاقاتها الدولية بمعطيات جديدة هي أن العالم لم يعد دولاً صغيرة مقهورة وأخرى كبيرة غالبة, وتجربتها في أفغانستان دليل واضح على ذلك, وتكرار التجربة في العراق تأكيد لها, وحربها مع إسرائيل ضد لبنان أوضح العبر, لأن ماتبدل هو إدراك الشعوب أن المقاومة هي السبيل الوحيد لحماية الاستقلال وليست الدبلوماسية والمعاهدات المفخخة.‏

إن النوايا الإيجابية التي تبديها الخطوات الأولى للديمقراطيين لن تشير للاتجاه الصحيح إن كانت مشروطة بما لا يتفق مع النهج التاريخي لسورية في السياسة الدولية, ولا يتفق مع ثوابتها الإقليمية, والنهج والثوابت هذه تعر فها أميركا قبل غيرها, لأن العلاقة السورية الأميركية من أكثر العلاقات الدولية مماحكة, فهي تسعى لاحتواء سورية تاريخياً لموقعها الجغرافي والتاريخي والسياسي والاجتماعي منذ زمن طويل, وكان شعار سورية دوماً لاعلاقة مع أي دولة إن لم تكن متكافئة تأخذ المصلحة السورية واستقلالها السياسي في الاعتبار, ولا مقايضة أو مساومة على حقوقها الوطنية وكل شبر من ترابها, وقد أكدت ذلك ووثقتها مقولة الرئيس الراحل حافظ الأسد في رده على وساطات لاستعادة الجولان, إن سورية لا تقبل الجولان منقوصاً شبراً واحداً وما لا نستطيع استرجاعه اليوم يبقى أمانة للأجيال القادمة لاسترجاعه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية