تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النقيق

منوعات
الاحد 7/1/2007
زكريا تامر

السنة الجديدة

رجونا السنة الجديدة أن تمنحنا لحافاً من فولاذ بحجم سمائنا لننام تحته بشراً وشجراً آمنين مطمئنين..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تهبنا أناساً يتيحون لنا العودة إلى التفكير بعد أن ثبت أن من كلفوا أنفسهم بالتفكير بدلاً منا طوال سنوات لم يفكروا إلا في الحفاظ على ما يصلح لأن يسترخي ويستريح على الكراسي المذهبة..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تعطي عيوننا وآذاننا إجازة طويلة قابلة للتجديد وغير قابلة للتأجيل..‏

ورجونا السنة الجديدة أن ترأف بأولادنا, وألا تعاملهم مثلما عاملتنا السنوات الراحلة التي كانت هلاكاً يطيب له أن يعذب ضحاياه قبل قتلهم..‏

ورجونا السنة الجديدة أن ترزقنا كتاباً جدداً لا يعاملون المبادىء بوصفها أحذية عتيقة آن أوان التخلي عنها باشمئزاز..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تحض صحافتنا على أن تهتم ببؤس الناس كما تهتم بصور المسؤولين..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تلهم المحطات التلفزيونية بأن تتصرف مع مشاهديها على أنهم ليسوا كتلاً من اللحم الحي الأبله..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تقصّر شتاءها وصيفها المرهقين, فلسنا شجراً مثمراً أو خضروات أو سنابل قمح..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تجعل مستقبلنا كماضينا لا كحاضرنا..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تختار أقوى ما عندها من جياد لتهرب بنا إلى آخر الدنيا..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تقنع آكلي لحومنا بأن يتركوا لنا بعض الجلد والعظم ولا سيما وأن الإشفاق علينا أحياناً لا يضر ولا يؤذي..‏

ورجونا السنة الجديدة أن تغري اللصوص بالتقاعد بعد أن صاروا بنوكاً مثقلة بما تخفي ومرغمة على أن تدب على أربع..‏

رجونا السنة الجديدة ساجدين خاشعين مفعمين بالأمل, فقيل لنا بهزء وتشف وشماتة إنها صماء وليس في مقدورها سماع أي رجاء, فضحكنا ضحكنا المألوف المرح المرّ راجين ألا تكون أيضاً عمياء بكماء.‏

شكاوى عربية!‏

ماذا يريد منا والينا الأميركي أطال الله عمره ونصر جنده في البر والبحر والجو?‏

أمرنا بإطاعة أوامره جمعاء, فتسابقنا إلى تنفيذها قبل أن يفكر فيها.‏

أمرنا بتأييده, فأيدناه مستيقظين ونياماً.‏

أمرنا بأن تكون ثرواتنا ثرواته, فقلدنا جدنا حاتم الطائي, ولم نعترض أو نخالف على الرغم من أن المال أعزّ من الولد والبلد, ولم نعبد يوماً سواه.‏

أمرنا بمحاربة أعدائه, فهزموا, وتشتتوا في الأرض مهانين,رجالهم قوارب محطمة غرقى, ونساؤهم لحم نيء للإيجار.‏

أمرنا بالبكاء في أيام أحزانه, فبكينا أكثر مما بكى, والتصقت ثيابنا الداخلية السود بجلودنا إلى الأبد.‏

أمرنا بتشجيع الاستيراد من بلاده, فأوشكنا أن نستورد منها أبناءنا ونياقنا, واشترينا كل سلاح مرشح للتقاعد, ووهبناه لجيوش تتقن النوم وافتراس الخراف والدجاج ومواجهة الكاميرات ببطولة وبسالة.‏

أمرنا بالدعاية له, فأغرقنا الناس بالجرائد والمجلات والمحطات التلفزيونية المختصة بالتعبير النزيه عن مواقفه السياسية والعسكرية.‏

أمرنا بنشر الجهل الفظ الوقح, فاكتفينا بنشر الجهل الماكر الزاعم أنه العلم الحقّ.‏

أمرنا بدفن آبائنا وأجدادنا, فأطعناه شاكرين له حرصه على أن يكون القابلة التي تشهد ولادة شخصياتنا المستقلة.‏

أمرنا ببناء السجون حمايةً لأوطاننا, فشيدنا السجون بكثرة حتى بات كل مواطن يتباهى بأن له سجنه.‏

أمرنا بتعيين خدمه مستشارين لنا, فظفر خدمه وخدم خدمه بالجنة من غير أن يعانوا عذاب القبر.‏

أمرنا بتكبير اللحى وتصغير العقول, فكبرنا وهللنا, فما أمر به يضفي على الرجال مهابة ووقاراً, ويمنح الراحة والطمأنينة للرؤوس والأقدام, ويوفر أجور الحلاقين الجشعين.‏

وأمرنا والينا الأميركي بالتظاهر باحترام شعوبنا, فمسحت المناديل الحريرية ركبنا المرتعشة المبتلة بالدموع, وانطلقت ولاويلنا تحتج على هذا التدخل بين الرعاة وقطعانهم, والذي يلغي مسوّغ وجودنا, ويمزق الصفحات المخصصة لمآثرنا في كتب التاريخ, ويفضح رغبات جنرالاته في الوثوب على كراسينا وامتلاكها بدلاً من استئجارها, ولكننا لن نستسلم للقنوط واثقين بأن الحياة عقيدة وجهاد, وسنحاول إقناع الضباع بأنها لن تعثر على ما هو أشهى من لحمنا, والله الموفق.‏

أميرنا المطاع المطيع المستورد‏

خُلقنا في ليل مظلم وعلى عجل, وخُلق أميرنا طوال نهار طويل وعلى مهل..‏

خُلقنا من طين, وخُلق أميرنا من قطن معقم, ناصع البياض, ولكن اختلافه عنا لم يجعل منه طاووساً مختالاً بل ظل متواضعاً لطيفاً طريفاً مستساغاً, لا يفتح فمه إلا ليحرضنا على ارتكاب ما هو مفيد لنا ولبلادنا :‏

حرضنا أميرنا على أن نكون رجالاً بحق, فلا نمرض, وأسفر تحريضه عن تحويل المستشفيات والعيادات مقاهي وأنديةً ليليةً وطيران الأطباء إلى نيجيريا لاجئين سياسيين.‏

وحرضنا أميرنا على ألا نأكل حتى تتمكن بلادنا من الاستغناء عن استيراد الغذاء من الدول الأخرى, فحظيّ تحريضه بالترحيب والتأييد والتنفيذ السريع, واستغنينا عن البطون والأسنان والأضراس, ولم تعد بلادنا تستورد من الخارج إلا بعض معاطف الفراء لبعض الزوجات المدللات بل باتت بلادنا تصدر أرقى الجثث الطازجة إلى كل مشارح كليات الطب في جامعات العالم.‏

وحرضنا أميرنا على ألا ننام, فركلنا النوم باشمئزاز من نهارنا وليلنا بوصفه عدواً خفياً يبدد نصف أعمارنا في ما لا يجدي, وهجرنا السكن في بيوت لم نعد نحتاج إليها, فنافست أحوالنا الجديدة الآثارَ التاريخيةَ في جلب السياح.‏

وحرضنا أميرنا على أن نعلّم أبناءنا القراءة والكتابة وهم أجنة في بطون أمهاتهم, فنجح تحريضه في إنقاذ أبنائنا من مدارس سمجة المناهج, ركيكة الأناشيد.‏

وحرضنا أميرنا على التنديد الصارم بعادة ارتداء الأحذية لكونها لا تتفق وقيمنا وعاداتنا وتاريخنا الحافل بالأبطال الحفاة, فحملقنا بدهشة إلى أقدامنا الحافية المتشققة, ولم نجد من نندد به إلا أجدادنا الذين كانت أقدامهم ترتدي أحياناً ما يشبه الأحذية.‏

وحرضنا أميرنا على أن نتخلى عن السكوت ونمارس حريتنا في التعبير عما نريده, فأوشكنا أن نطالب الحكومة بأن تمنح كل مواطن قبراً مجانياً, ولكننا أصبنا بالخرس إذ تنبهنا فجأة إلى أن ما كنا نزمع المطالبة به لا يحقّ إلا للناس الأحياء ولا يحقّ للناس الأموات.‏

أقوال وطن ومواطنيه‏

قال وطن عجوز دائم الهرب من أيدٍ تحاول دفنه : كيف يطلب إلي أن أبكي حين تسعل شعوب أخرى, ولا أحد يبكي على أولادي الذين يقتلون يومياً?‏

قال مواطن أميّ : يبدو أن الأطباء العرب اتفقوا على أن الديمقراطية هي حذاء لا يصلح للأقدام العربية الحافية.‏

قال مواطن كثير النوم والتثاؤب : ما هذا الظلام المخيم على الكرة الأرضية بأسرها, فالليل ليل والنهار ليل?‏

قال مواطن يعتزم أن يصير كاتباً للإيجار والاستئجار : كل المهن تخسر وتربح ما عدا مهنة الكتابة, فهي رابحة باستمرار, ولا تحتاج إلى أي رأس مال, وتحتاج فقط إلى ذكاء في الدخول ومكر في الخروج.‏

قال مواطن يشبه حائطاً : الحمد لله الذي خلقني واعياً, فلا أستنكر إذا ركلني قوي, وأشهر كل أسلحتي إذا ضبطت ضعيفاً يرمقني بنظرة غير ودية.‏

قال مواطن يتصف بالفضول : سمعنا الكثير عن الحرية, ولم نرها يوماً, فهل حكم عليها سراً بأن تبقى سجينة في صفحات الكتب?‏

قال مواطن يفخر بأنه أب صالح : سأعلّم أبنائي أن كلباً يعوي حراً في البراري خير من نمر يزأر في قفص.‏

قال مواطن يعمل ممثلاً فكاهياً : لا شك في أن الناس قد تبدلوا تبدلاً يحتم علي البحث عن مهنة أخرى, وباتت الجنازات والمناحات هي القادرة على إضحاكهم الضحك النابع من القلب.‏

قال مواطن كاره للمال الحرام : لو كان أسامة بن لادن غير أناني لسلمني نفسه لأسلمه لأميركا وأظفر بالملايين المرصودة, وأنفقها على العائلات المحتاجة.‏

وقال مواطن معلقاً على الحرب الأميركية على الإرهاب : رجل أطال لحيته إلى حد أنه تضايق منها, وأراد قصها أو تقصيرها أو تشذيبها, فالمشكلة مشكلته, واللحية لحيته والمقص مقصه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية