تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غطــرســـة تـرامب والمـخـــاطـــر المـهـــددة للســـلم والأمــن الدوليـــين

الأحد 31-4-2019
عبد الحليم سعود

فيما كانت الولايات المتحدة الأميركية على وشك لملمة قواتها المحتلة من الجزيرة السورية ومنطقة التنف بالبادية السورية

استعداداً للانسحاب، بعد الفشل الذي لحق بسياستها في سورية وعجزها عن فرض أمر واقع جديد يخدم المشروع الصهيوأميركي في المنطقة، أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موبقة الاعتراف بسيطرة الكيان الصهيوني الغاصب على الجولان العربي السوري المحتل، في محاولة جديدة لإنقاذ المشروع الذي وقف خلف الحرب الإرهابية على سورية منذ البداية، وتقديم دعم لحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم داخلياً بملفات فساد وخارجياً بفعل انهيار أحلامه في سورية على وقع نجاحها بمساندة الحلفاء والأصدقاء في هزيمة المشروع الداعشي الأداة، وتمكنها من وضع حد للفوضى الأميركية «الخلاقة» في المنطقة على الأقل من بوابة سورية، ليعيد ترامب بهذا السلوك المرفوض خلط الأوراق من جديد، في محاولة يائسة لتغيير الأولويات أمام سورية، ورسم معادلات طويلة الأمد لمصلحة إسرائيل تعوض المعادلات التي سقطت أو تلك الآيلة للسقوط قريباً، وفي هذا السياق جاء العدوان الصهيوني على منطقة الشيخ نجار بحلب، ومعلوم أن حلب اليوم هي مفتاح القضاء النهائي على ما تبقى من المشروع الإرهابي في سورية كما كانت حلب نفسها قبل نحو ثلاث سنوات أرض المعركة لكسر هذا المشروع وهزيمته.‏

عند النظر للسلوك الأميركي الأخير وهو سلوك عدواني «بلفوري» متغطرس مناقض لكل الشرائع الدولية والأخلاقية والإنسانية، حيث بدت واشنطن بنتيجته معتدية على القانون الدولي ومنتهكة لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها الشرعية، لا بد من ملاحظة أن القرار جاء استعراضياً واستفزازياً وفي توقيت حساس للتغطية على مسألتين الأولى هي فشل السياسة الأميركية في فرض «صفقة القرن» بخصوص القضية الفلسطينية رغم الاعتراف الأميركي الدنيء بالقدس المحتلة عاصمة للكيان المحتل وخطوة نقل السفارة الأميركية إليها، وأما الثانية فهي العجز عن فك عرى التحالف الاستراتيجي القائم بين سورية وإيران وحزب الله «شركاء محور المقاومة»، مع ملاحظة اقتراب العراق، الخارج قبل سنوات قليلة من ربقة الاحتلال الأميركي، إلى هذا التحالف الإقليمي المنتصر، حيث كان الاجتماع الثلاثي بين قادة العسكريين الكبار في الدول الثلاث مؤشراً مهماً للتفاهم والتعاون الجاري بين سورية والعراق وإيران، وهذا يعني أن حرب الثماني سنوات بكل إرهابييها ودواعشها ومرتزقتها وتدخلاتها الخارجية ومسرحياتها الكيماوية والأموال التي رصدت والعقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضت قد آلت إلى فشل ذريع، وأن إسرائيل التي كانت تعول كثيراً على هذه الحرب لإنجاز مشروعها التوراتي في السيطرة على المنطقة من «نيلها إلى فراتها» والتحكم بمصير شعوبها ودولها قد باتت أمام تحدّ أكبر لم تحسب حسابه وهو خسارة ما تسيطر عليه وتحتله وخاصة الجولان العربي السوري.‏

ورغم أن موبقة ترامب المدانة تبدو خارج سياق الرؤية الأميركية المعلنة بخصوص حل الصراع العربي الصهيوني، حيث أحجم ثمانية رؤساء أميركيين عن القيام بها لخطورتها، وكاد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أن يقترب من الحل عبر حسم قضية عودة الجولان لسورية من خلال ما عُرِف آنذاك بـ «وديعة رابين»، إلا أن هذه الخطوة كانت متوقعة في ظل السياسة الرعناء والعدائية التي انتهجها ترامب في العامين الماضيين وقد جرى التطرق إليها أكثر من مرة في واشنطن بضغط من اللوبي الصهيوني وممثليه في الكونغرس من أمثال ليندسي غراهام الذي تسلل إلى الجولان مؤخراً برفقة مسؤولين صهاينة وأبدى دعمه لخطوة ترامب.‏

فخلال العامين الماضيين بدا التماهي والانسجام واضحاً بين اليمين المتطرف الحاكم في واشنطن مع اليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب عبر أكثر من قرار أميركي، ومنها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وكذلك الانسحاب من اليونسكو والأونروا، وصولاً إلى الحرب الاقتصادية والمالية التي تشن ضد سورية وإيران وحزب الله بعناوين مختلفة، وحملات التحريض المحمومة التي تجري على قدم وساق بهدف منع عودة سورية للجامعة العربية للعب دورها المعتاد في قضايا المنطقة، إضافة إلى العراقيل والعقبات التي تضعها واشنطن في طريق عودة مهجري الحرب السوريين إلى وطنهم، واشتراطاتها غير المقبولة في ملف إعادة إعمار ما دمره الإرهاب، ولو أضفنا إلى ذلك ملف دعم الإرهاب على مدى ثماني سنوات في سورية وشن العديد من الاعتداءات العسكرية على منشآت علمية ومدنية وخدمية في سورية، والتدخل السلبي في المفاوضات بين وفد الجمهورية العربية السورية ووفود ما يسمى المعارضة لمنع الوصول إلى حل سياسي، سنتوصل إلى نتيجة واحدة وهي أن الحرب الأميركية على سورية ومحورها لم تنته بعد، بل بدأت تأخذ شكلاً جديداً يتصل بالقانون الدولي ومحاولة تفريغه من محتواه بحيث يقدم الكيان الصهيوني على انتهاكه متى أراد وينزلق أكثر فأكثر باتجاه سياسة العدوان وما قد تفجره من حرب كبيرة ومدمرة في المنطقة.‏

في كل الأحوال لن يضفي اعتراف ترامب الدنيء أي شرعية على احتلال الجولان لأن القانون الدولي واضح وصريح في هذه القضية، وقد جوبه هذا الاعتراف برفض عالمي واسع كشف استياء الأسرة الدولية من سياسات ترامب المهددة للسلم والأمن الدوليين، لأن مثل هذه القرارات الرعناء تمهد لمشكلات وحروب على مستوى العالم، فماذا لو اعترف ترامب بانفصال تايوان عن الصين مثلاً، ففي ظل وجود شخص غير مؤهل نفسياً وأخلاقياً في رئاسة قوة عظمى مثل الولايات المتحدة يمكن توقع أسوأ السيناريوهات على مستوى العالم، ولا شك أن العالم بات يتلمس مدى خطورة بقاء مثل هذا الرئيس في منصبه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية